EDITOR|
تهذيب المقال الجزء الأول
Shafi 1
الطبعة الأولى النجف الأشرف 1389 ه ق الطبعة الثانية - مصححة قم المقدسة 1417 ه ق جميع حقوق التأليف والطبع محفوظة للمؤلف
Shafi 2
الناشر: ابن المؤلف السيد محمد / قم المقدسة) 733889 تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال للشيخ الجليل أبي العباس أحمد بن علي النجاشي تأليف العلامة الفقيه آية الله العظمى السيد محمد علي الموحد الأبطحي (مد ظله)
الجزء الأول
Shafi 3
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطاهرين المعصومين.
أما بعد فإن معرفة أحوال الرواة التي يتكفل لبيانها علم الرجال، مما يجب على كل فقيه مجتهد تحصيلها، ولا يسوغ له تركها وإهمالها.
فإن السنة المروية عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمة الطاهرين من أهل بيته: التي بها فسر القرآن الكريم، وأخرجت كنوزه، وبها يعرف تفصيل شرائع الدين ومعالمه وأحكامه، قد انتهت إلينا بوسائط في رواتها الثقات ومن يجوز الإعتماد على روايته وغيرهم.
وللرواة أصول ومصنفات ربما يوجد فيها ما لا يجوز الأخذ به، فعلى الفقيه المجتهد تمييز غثها من سمينها بالنظر في أحوال الرواة، وطبقاتهم، وأصولهم ومصنفاتهم، فيعرف مأثورها ومفتعلها كي يأخذ برواية الثقة العارف الضابط، ويترك ما رواه الكذاب أو من لا يعرف، أو لا يبالي بالحديث.
ولذلك تصدى جمع من الأسبقين من رواتنا من أصحاب الصادقين (عليه السلام)، ومن بعدهما من الأئمة الطاهرين:، لضبط أسماء الرواة وأحوالهم وطبقاتهم وآرائهم وأصولهم ومصنفاتهم، وما ورد عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في مدحهم أو ذمهم، مثل الحسن بن محبوب السراد وبني فضال ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ومحمد بن أورمة وأضرابهم من أجلة أصحابنا رضوان الله عليهم، كما
Shafi 5
ستقف على ذلك في هذا الكتاب.
ثم إنه على أثر هؤلاء جماعة من أعاظم أصحابنا جاهدوا وأجهدوا أنفسهم جزاهم الله عنا وعن المسلمين أحسن الجزاء بجمع ما تفرق في هذه الكتب، واستقصاء ما فات منهم وتبويبها ونظمها، فألفوا في ذلك كتبا مطولة ضخمة، بل خصوا لكل جهة كتابا.
وذلك بتأليف كتب في أسماء الرواة وأحوالهم وأخبارهم، مثل كتاب عبد العزيز بن يحيى الجلودي والعياشي صاحب كتاب معرفة الناقلين، وكتاب الاشتمال على معرفة أحوال الرجال لأحمد بن عبيد الله الجوهري، وغير ذلك.
وكتب في مناقب رواة الحديث ومثالبهم، وما ورد فيهم من المدح أو الذم، مثل كتاب سعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة 299 أو قريب من ذلك، وأحمد بن محمد الكوفي، ومحمد بن الحسن بن الوليد، والصدوق وغيرهم.
وكتب في طبقات الرواة من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحاب الأئمة (عليهم السلام)، مثل كتب ابن شاذان والعياشي والصدوق (رحمه الله)، وأبي غالب الزراري وأبي العباس ابن نوح وأبي العباس بن عقدة الذي أنهى أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إلى أربعة آلاف، وذكر في ترجمة كل واحد رواية له، وغير هؤلاء ممن يطول ذكرهم.
وكتب في مصنفات أصحابنا وأصولهم ورواياتهم مثل كتب أبي نصر بن الريان، وأحمد بن محمد بن عمران الجندي، وأحمد بن عبد الواحد، وجعفر بن محمد بن قولويه.
وفيهم من استوفي جميع المصنفات والأصول: مثل أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري (رحمه الله)، فقد عمل كتابين: أحدهما في المصنفات والآخر في الأصول، واستوفي فيهما على مبلغ ما وجده، وغير هؤلاء ممن صنف في فهرست كتب أصحابنا وأصولهم كتابا.
Shafi 6
وقد كان شيخ الإمامية وزعيمها في عصره الشيخ المفيد (رحمه الله) يكرر الرغبة في تأليف كتاب يشتمل على الأصول والمصنفات جميعها، ويحث عليه كثيرا، ويطلب من الشيخ الطوسي ذلك. ولذلك عمل كتاب الفهرست إجابة لطلبه وأداءا لحقه، كما نبه عليه في ديباجته، إلا أنه (رحمه الله) لم يبلغ ما قصده من الاستقصاء، وإن سعى في ذلك واعتذر بعدم الوصول إلى الكتب والمصنفات لانتشار الأصحاب في البلدان وتفرق كتبهم وضياع بعضها. ولذلك ترى كتاب النجاشي يشتمل على كتب جماعة كثيرة ممن لم يذكرهم في الفهرست، أو ذكرهم بغير هذه الكتب.
ثم إن هذه الكتب القيمة الثمينة التي صنفها رواة أصحابنا ومشايخهم من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، أو من قارب عصرهم على اختلاف مناهل هؤلاء ومشاربهم كما أشرنا إليه، تعرض كثيرها للضياع وذلك لحوادث وفتن، وحروب عبرت تلك القرون، مع قلة في نسخ تلك الكتب أو وحدتها، وفيها كتب ضخمة كبيرة جدا، وفيها ما كانت أكثر من ألفين ورقة، وما كانت تعادل حمل بعير.
وتقف على ذكر بعضها في هذا الكتاب. فلم يبق في أيدينا إلا بعض ما صنفه المقاربون لعصرهم مثل رجال البرقي وأبي عمرو الكشي واختصاص المفيد وغير ذلك، وكتب من تأخر كالشيخ الطوسي (رحمه الله).
وعند ذلك واجه أصحابنا تعيير قوم من مخالفينا (أنه لا سلف لكم ولا مصنف)، كما نص عليه النجاشي (رحمه الله) في الديباجة، فرغبه السيد الشريف رحمه الله في دفعه وتأليف كتاب في ذلك، فألف النجاشي (رحمه الله) كتابه هذا إتماما للحجة، وأبلغ غاية جهده في استقصاء الكتب. ولكن لم يستطع من ذلك معتذرا بقوله: وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته، لعدم أكثر الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذرا إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره....
Shafi 7
وإن هذه الكتب وإن كان قد جمع فيها كثير مما تفرق في أصول من تقدم عليهم من أكابر الرواة ومصنفاتهم، لكنها لا تستوعب لأسماء المصنفين، ولا أسماء الرواة، ولا ذكر أحوالهم وطبقاتهم، ولا الأخبار الواردة فيهم ولم يستقص فيها البحث عن جميع جوانبها.
وليس ما أطال المتأخرون قدس سرهم بذكره من الأسماء، استقصاءا لمن وقع في أسانيد ما بأيدينا من الأخبار، ولا استيعابا لما ورد من المدح أو الذم في الرواة من طريق الأئمة (عليهم السلام)، ولا استيفاءا لطبقة الرواة، ولا جامعا للأصول والمصنفات والطرق والمشيخات، ولا تعرض فيها لنقد هذه الطرق والمشيخات إلا إشارة في بعضها.
ولذا ترى كثيرا من رجال أسانيد ما بأيدينا من الأخبار غير مذكورين في كتب أصحابنا الرجالية. وأيضا لا يوجد لكثير من المذكورين فيها ذكر طبقتهم أو أحوالهم مع وضوح ذلك بعد التأمل في أسانيد ما بأيدينا من الأخبار، والوقوف على ذلك متعب مجهد.
فدعانا ذلك كله إلى تصنيف كتاب جامع لأسماء الرواة المذكورين في الروايات وكتب الأقدمين من الأصحاب.
وكتاب جامع للأخبار المروية عن الأئمة الأطهار: في مدح الرواة أو ذمهم.
وكتاب حاو لطبقات الرواة من أصحاب النبي والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ولما رأيت أن جمع الطرق والمشيخات ونقدها وتحقيق أحوال أرباب الأصول والمصنفات من الرواة مما يتيسر لنا بشرح كتاب الفهرست لشيخنا الجليل النجاشي، وهو أجمع وأتقن كتاب في موضوعه، كما ستقف عليه، شرعت بحول الله وقوته في ذلك بتحقيق كامل في أحوال المذكورين فيه تصريحا أو
Shafi 8
تلويحا في ترجمة غيرهم، وهم جماعة كثيرة جدا، وبالإشارة إلى ما ورد فيهم من الأخبار أو ما نص عليه غير النجاشي من أئمة الرجال، وبجمع المتعارضين من الأخبار، أو تصريحات أئمة الرجال إن أمكن، أو ترجيح أحدهما إن لم يمكن الجمع، والتحقيق فيما نص عليه الماتن (رحمه الله) في أحوالهم أو طبقاتهم على ما يساعدنا المجال، وإيكال تفصيله إلى ما حققناه في هذه الكتب.
وجمعت في ذلك بين طرق الماتن (رحمه الله) إلى الأصول والمصنفات وطرق الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب الفهرست ومشيختي كتاب التهذيب وكتاب الإستبصار وطرق الشيخ الأجل الصدوق (رحمه الله) في مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه، مع تحقيق كامل في أسانيدها ونقدها، وطرق أخرى وقفنا عليها في خلال الكتب مما ستقف عليها في هذا الشرح، وفي ذلك فوائد جليلة.
وقد أشرنا إلى ما استدركه الحافظ الشهير ابن شهرآشوب في معالم العلماء تتمة لفهرست الشيخ الطوسي (رحمه الله)، وهذا ما وفقني الله جل شأنه قديما في هذا الشرح، ولست بمعصوم من الخطأ والزلل والله الهادي.
ولما كان النجاشي (رحمه الله) جعل للأسماء أبوابا على الحروف ليهون على الملتمس لاسم مخصوص، ولم يلاحظ الترتيب جدا، لا في الأوائل ولا الثواني ولا الآباء، فلا تقود الطالب إلى بغيته وغايته إلا بتصفح وطول مدة.
فتصدى العلامة القهبائي في مجمع الرجال، بل وغيره لنظم رجال النجاشي على الحروف، ولكن رأيت أن أتحفظ على الكتاب بصورته، ونيل الطالب إلى قصده وغايته يتيسر بوضع فهرست دقيق على حسب الحروف مع لحاظ الأوائل ثم الثواني ثم الآباء، وذكر من يستفاد أحواله في ضمن ترجمة غيره، فجعلت له فهرستا على هذا الترتيب.
Shafi 9
* تمهيد بذكر فوائد
** الفائدة الأولى في حياة المؤلف النجاشي رحمه الله
*** نسبه:
هو أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأسدي النضري بن النجاشي بن غنيم بن أبي السمال سمعان ابن هبيرة الشاعر بن مساحق بن بجير بن أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث ابن تغلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
هذا كما نص عليه الماتن (رحمه الله) في ترجمته، وأيضا في ترجمة جده عبد الله على اختلاف يسير، والكلام في ذلك يأتي إن شاء الله هناك في الشرح. ويشترك نسبا مع النجاشي المؤلف (رحمه الله) إبراهيم بن أبي بكر السمال كما ذكره في ترجمته (ر 30).
*** كنيته:
قد كني (رحمه الله) في الجزء الثاني من الرجال بأبي الحسين. وبذلك ذكره جماعة ومنهم العلامة (رحمه الله) في إجازته الكبيرة لبني زهرة، وبأبي العباس أيضا، كما كناه بذلك العلامة (رحمه الله) في الخلاصة وغيره، ووقع في إجازات الأصحاب كما ذكره المجلسي في إجازات البحار. والجمع بينهما ممكن، فالكلام في التعيين لا مجال له.
Shafi 10
*** مولده:
ولد رحمه والله في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، ذكره العلامة (1)، وتبعه من تأخر عنه.
قلت: يؤيد كون ولادته في هذه السنة أو ما يقاربها، أن النجاشي (رحمه الله) كان يحضر مجلس هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة 385، ويدخل مع ابنه محمد بن هارون في بيته عندما يقرأ الناس عليه. ذكر ذلك في ترجمته (ر 1187)، وأيضا إدراكه (رحمه الله) ولقائه لكثير من أكابر عصره، كما ستقف عليه إن شاء الله.
*** وفاته ومدفنه:
لم يرد تصريح من قدماء الإمامية (رضوان الله عليهم) حول تحديد سنة وفاته وتعيين محله وقبره لضياع أكثر كتبهم.
وأما أهل السنة فقد أهملوا ذكره في كتب التراجم والتاريخ، كما أهملوا غيره من وجوه الإمامية وأعلامهم. فهذا الخطيب البغدادي الذي ألف كتابه الضخم في كل من كان في بغداد من المحدثين أو سمع بها أو ورد بها لم يذكر النجاشي، مع أنه كان شريكه في السماع عن جماعة من مشايخ الحديث في بغداد، كما لم يذكر أمثاله من حفاظ الحديث ومشايخه من أعلام الإمامية رحمهم الله.
وأما المتأخرون من الإمامية فذكروا تبعا للعلامة (رحمه الله) في الخلاصة أنه توفي (رحمه الله) بمطيرآباد في جمادى الأولى سنة خمسين وأربعمائة، وفي بعض الكتب (مصيرآباد) بدل (مطيرآباد).
قلت: ويحتمل كونه مصراثا بال فتح والسكون والثاء المثلثة، قرية من
Shafi 11
سواد بغداد تحت كلواذي بالفتح ثم السكون والذال المعجمة. وكلواذي طسوج قرب مدينة السلام بغداد، وناحية قريبة بينها وبين بغداد فرسخ واحد للمنحدر.
وينسب إلى ذلك جماعة من النحاة، كما يظهر ذلك من مراصد الاطلاع (1) ومعجم البلدان (2).
والأظهر ما عليه المشهور ضبطا مطيرآباد. والمطيرة كسفينة قرية بنواحي سر من رأى، ذكره في القاموس (3) ومراصد الاطلاع (4) والمعجم (5). وزاد في الثاني كانت أحد متنزهاتها بنيت في آخر خلافة المأمون، بناها مطير بن فزارة السبعاني وهى مذكورة في أشعار الخلفاء. وزاد في المعجم: قرية من نواحي سامراء، وكانت من متنزهات بغداد وسامراء. ثم ذكر كلاما في بنائها وما قيل فيها من الأشعار، فقال ينسب إليها جماعة من المحدثين وذكرهم، ومنهم محمد بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد الفزار المطيري المتوفى سنة 463.
قلت: ولا يبعد كون وفاة النجاشي (رحمه الله) بعد رجوعه من زيارة الإمامين (عليهما السلام) بسامراء عند إقامته في تلك القرية البعيدة من الشيعة ولذلك خفيت آثار قبره الشريف، والله العالم.
ثم إن ما ذكره العلامة (رحمه الله) في تاريخ وفاته ينافي ما ذكره النجاشي في ترجمة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري (ر 1073): مات (رحمه الله) يوم السبت سادس عشر شهر رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة (463)، ودفن في داره .
Shafi 12
وقد تصدى لرفع التنافي المذكور غير واحد من المتأخرين، فمنهم من قال:
إن الصواب سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وقد سهى النساخ في الضبط على ما تقدم. وقد غفل (رحمه الله) عن منافاة ذلك لما ذكره النجاشي في ترجمة الشريف المرتضى (ر 708) المتوفى سنة 436، ما لفظه: وتوليت غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري (رحمه الله) (ر 1073).
ولأجل الفرار عن الإشكال المذكور قال بعض من تأخر عنه: فالصواب سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة قبل وفاة النجاشي (رحمه الله) بسبع أو بثمان سنين (1).
قلت: لزوم تأخر وفاة النجاشي عن وفاة الشريفين وتأخر وفاة الشريف الجعفري عن وفاة الشريف المرتضى لا يوجب إلا الالتزام بالتأخر في الجملة، ولو بيوم أو نصف يوم، ولا يثبت سنة خاصة كما هو واضح، واحتمال ذلك كاحتمال كون المذكور في تاريخ وفاة الجعفري من زيادة النساخ في متن النجاشي مما لا سبيل لفتح بابه، ولا وجه لترجيحه على احتمال كون ما في الخلاصة مصحف خمسة وستين وأربعمائة، أو غير ذلك، فلاحظ وتأمل. والظاهر من كتاب النجاشي أن تأليفه كان بعد وفاة عامة مشايخه.
*** نشأته وبيته:
كان (رحمه الله) كوفيا أسديا، كما في ترجمته. ونشأ في بيت كبير من وجوه أهل الكوفة من بيت معروف مرجوع إليهم، وكان ذلك في بغداد. وبها أيضا يعرف بابن الكوفي. وليس كما توهم أنه نشأ في الكوفة، ولذلك كان أعرف من الشيخ الطوسي (رحمه الله) بالرواة، لأن أكثرهم. كوفيون فكان والده علي بن أحمد بن
Shafi 13
العباس، من علماء بغداد ومحدثيها، وتتلمذ لشيخ الإمامية في عصره محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (رحمه الله)، وسمع منه، وروى عنه كتبه ورواياته. وكان ذلك لما دخل الصدوق (رحمه الله) بغداد، واجتمع عنده العلماء ومشايخ الحديث.
وكان الماتن (رحمه الله) قرأ على والده علي بن أحمد (رحمه الله)، وله منه إجازة، كما نشير إلى ذلك على ما صرح به في هذا الكتاب.
وكان جده أحمد بن العباس أبو يعقوب من علماء بغداد ومحدثيها ، سمع وروى عنه جماعة:
منهم: ابنه علي بن أحمد بن العباس. وذلك كما في ترجمة علي بن عبيد الله ابن الحسين بن علي بن الحسين (رحمه الله) (ر 671)، فقد روى كتابه في الحج كله عن موسى بن جعفر (عليه السلام) بما نصه: أخبرني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو الحسن علي...، إلخ.
ومنهم: شيخنا الجليل هارون بن موسى التلعكبري، فذكر الشيخ الطوسي في باب من لم يرو عنهم (عليهم السلام) من رجاله (ص 446 / ر 45) ما لفظه: أحمد ابن العباس النجاشي الصيرفي المعروف بابن الطيالسي، يكنى أبا يعقوب، سمع منه التلعكبري سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وله منه إجازة، وكان يروي دعاء الكامل، ومنزله كان في درب البقر.
قلت: وبذلك نكتفي في المقام، وتمام الكلام فيه في محله، وهناك تحقيق في وجه ترك الماتن (رحمه الله) ذكره في عداد المصنفين.
وكان جده العباس بن عبد الله من أجلة الرواة، وممن روى عنه مثل أحمد ابن محمد بن عيسى الأشعري الجليل. وكان (رحمه الله) من أصحاب الرضا (عليه السلام).
وروى الصدوق (رحمه الله) في العيون عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد
Shafi 14
ابن محمد بن عيسى، عن العباس النجاشي الأسدي، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: (إي والله على الأنس والجن) (1).
قلت: وعده الشيخ (رحمه الله) أيضا من أصحاب الرضا (عليه السلام) في رجاله (ص 383 / ر 45) قائلا: العباس النجاشي الكوفي. ويظهر من بعض أصحابنا خلو نسخته عن هذا الاسم. وتمام الكلام يأتي في شرح حاله في محله.
وكان جده الأعلى عبد الله بن النجاشي أبو بجير الأسدي النصري، من ولاة الأمر في عهده على الأهواز من قبل المنصور. وفي رواية التهذيب قال: كان النجاشي وهو رجل من الدهاقين عاملا على الأهواز وفارس...، إلخ (2).
والدهقان معرب. جمعه دهاقين. ومعناه القوي على التصرف مع حدة، ورئيس الإقليم، كما في القاموس.
وكان يروي عن أبي عبد الله عيه السلام لا لرسالة المعروفة منه إليه، كما في ترجمته في هذا الكتاب (ر 555).
قلت: وقد ورد فيه روايات، وفي بعضها ما يشعر بأنه مال إلى الزيدية، فلما دخل المدينة واستأذن في الدخول على أبي عبد الله (عليه السلام) وسأل منه ما سأل، رجع إلى الحق وبقي عليه (3). وفي بعضها ما يدل على مدحه وفضله (4)، قد أوردناها في كتابنا الكبير (أخبار الرواة). وتمام الكلام فيه يأتي في هذا الشرح عند ترجمته.
Shafi 15
وكان (رحمه الله) نسب نفسه إلى الأخوة لأحمد بن عبد بن أحمد الرفاء، قال في ترجمته (ر 212): أخونا، مات قريب السن (رحمه الله). له كتاب الحجة.
وأيضا نسب نفسه بالصداقة لأحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الكندي أبو الحسين الجرجرائي الكاتب. قال في ترجمته (ر 210): ثقة، صحيح السماع، وكان صديقنا، قتله إنسان يعرف بابن أبي العباس...، إلخ.
*** رحلته وأسفاره:
كان (رحمه الله) قليل السفر، لم يخرج من بغداد إلا لزيارة المشاهد المقدسة.
فسافر إلى النجف الأشرف لزيارة مشهد سيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة أربعمائة. وعند ذلك لقى شيخه الجليل الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخزاز المعروف بابن الخمري، وسمع منه (ذيل رقم 587)، وأجازه في المشهد الغروي الشريف بروايته كتاب عمل السلطان لأبي عبد الله البوشنجي الحسين ابن أحمد بن المغيرة، كما نص عليه (رحمه الله) في ترجمته (ر 165).
وبقى الماتن (رحمه الله) بالمشهد الغروي (عليه السلام) إلى أن زاره يوم الغدير من هذه السنة، كما نص عليه في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب أبي نصر المعروف بابن برينة (ر 1188). قال (رحمه الله): وكان هذا الرجل كثير الزيارات، وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة أربعمائة بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
ودخل الكوفة كرارا، قال في ترجمة جعفر بن بشير البجلي (ر 304): وله مسجد بالكوفة باق في بجيلة إلى اليوم، وأنا وكثير من أصحابنا إذا وردنا بالكوفة نصلي فيه مع المساجد التي يرغب في الصلاة فيها.
قلت: ومن ذلك يظهر أنه (رحمه الله) لم يكن بالكوفة، كما قيل، بل نشأ في بغداد، كما ذكرناه .
Shafi 16
ورأى بالكوفة جماعة من أعلام الحديث، منهم: الحسن بن أحمد بن محمد ابن الهيثم العجلي من وجوه أصحابنا الثقات، كما نص عليه (رحمه الله) في ترجمته (ر 151)، وإسحاق بن الحسن العقرابي، قال في ترجمته (ر 178): رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني (رحمه الله) عنه، وكان في هذا الوقت علوا، فلم أسمع منه شيئا.
والظاهر أنه تشرف بزيارة الحائر الشريف، وإن لم يكن لذلك في الكتاب ذكر.
وقد زار مشهد الإمامين العسكريين (عليهم السلام) بسامراء، وبها سمع من القاضي أبي الحسن علي بن محمد بن يوسف نسخة كتاب محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، كما نص (رحمه الله) عليه في ترجمته (ر 954).
قلت: ولعل وفاته (رحمه الله) بمطيرآباد كانت بعد هذه الزيارة، ورجوعه من سامراء إلى تلك الناحية.
*** مكانته السامية عند العلماء
هو الثقة الصدوق، المعتمد المسكون إليه، البصير الخبير بأحوال الرواة وأنسابهم، وما ورد فيهم من مدح أو ذم، وطبقاتهم ومصنفاتهم وأصولهم ورواياتهم وأشعارهم. تقدم على أعلام الجرح والتعديل بكثرة إطلاعه ووفور علمه وقوة بصيرته.
فهو إمام هذا الفن يستضاء بنور علمه ويهتدى بسبيله. إن نطق في الرواة وأحوالهم اتبع واخذ بقوله، وإن سكت عن القدح والطعن مذهبا وطريقة أمسك عن الطعن. وإن قال فيهم غيره شيئا رجح قوله وأخذ به، وأول كلام غيره أو
Shafi 17
ترك. ولذا أطبق أصحابنا فيما صرح به جماعة على ترجيح قوله على أقوال سائر أئمة الجرح والتعديل.
قال سيد الطائفة في عصره السيد بحر العلوم (رحمه الله) في فوائده: هو أحد المشايخ الثقات والعدول الأثبات، من أعظم أركان الجرح والتعديل وأعلم علماء هذا السبيل، أجمع علمائنا على الإعتماد عليه، وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرواة إليه (1).
وإلى ذلك أشار السيد المحقق الداماد قدس سرة قائلا: إن أبا العباس النجاشي شيخنا الثقة الفاضل الجليل القدر، السند المعتمد عليه المعروف (2)...، إلخ.
وأيضا العلامة المجلسي (رحمه الله) في فهرست البحار مشيرا إلى كتابه وكتاب الكشي ، قائلا : عليهما مدار العلماء الأخيار في الأعصار والأمصار (3).
وفي كتاب الدعاء نقل عن كتاب قبس المصباح للشيخ الفاضل أبي الحسن سليمان بن الحسن الصهرشتي تلميذ المرتضى (رحمه الله) وشيخ الطائفة قدس سرة، قال:
قال: أخبرنا الشيخ الصدوق أبو الحسين أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الصيرفي، المعروف بابن الكوفي ببغداد.
وكان شيخنا بهيا ثقة، صدوق اللسان عند الموافق والمخالف (4)، انتهى.
قلت: وما ذكره تلميذ المرتضى والشيخ من كونه صدوق اللسان عند الكل يشير إلى وجه الاقتصار على الإطراء والثناء عليه، فإن جلالة قدره
Shafi 18
وعظم شأنه في الطائفة أشهر من أن يحتاج إلى ذلك.
وقد أوجز في ذلك من ذكره معتمدا عليه كالشيخ السعيد الأجل المحقق الحلي (رحمه الله) في المعتبر وغيره (1)، والشهيد الثاني في كتبه (2) وفي إجازاته (3)، والحافظ الشهير ابن شهرآشوب صاحب معالم العلماء في إجازاته، والسيد ابن طاووس (4) وجماعة ممن عاصرهم أو تقدم عليهم، وأكثر من تأخر.
منهم العلامة في الخلاصة قائلا: ثقة معتمد عليه (5). ومنهم: ابن داود الحلي في رجاله قائلا ثقة معظم كثير التصانيف (6). ومنهم: المحقق الوحيد البهبهاني قال في رسالة الإجتهاد: إن الصدوق وابن الوليد والمفيد والشيخ والشريف المرتضى والنجاشي وأمثالهم من الأجلة الأكابر الذين لا تفي لمدائحهم الدفاتر...، إلخ (7).
ولقد أجاد إمام المحدثين في عصره العلامة النوري (رحمه الله) في خاتمة المستدرك إغناءا عن الإطناب بقوله في حق النجاشي (رحمه الله): العالم النقاد البصير المضطلع الخبير الذي هو أفضل من خط في فن الرجال بقلم، أو نطق بفم، فهو الرجل كل الرجل، لا يقاس بسواه ولا يعدل به من عداه، كلما زدت به تحقيقا ازددت به وثوقا، وهو صاحب الكتاب المعروف الدائر الذي اتكل عليه كافة
Shafi 19
الأصحاب (1)، انتهى.
قلت: من تأمل في كتب غيره من العامة والخاصة من كتب الرجال وتأمل في كتاب النجاشي وما ذكره في تراجم الرواة وخاصة عند اختلاف الأقوال، وكيفية اختياره قولا من ذلك، وتنبيهه على الضعف وبطلان ما اختاره غيره، وأمثال ذلك مما تشير إلى بصيرته وقدرته واحاطته وأدبه وورعه وثقته ، أذعن بما شهد به هذا المحدث العظيم.
وإليك بعض ما يشير إلى ذلك:
*** وصية أعلام الطائفة بكتبهم للنجاشي:
قد أوصى غير واحد من أعلام الطائفة وأجلائهم بكتبهم بخطهم وبغير خطهم، بل وما عندهم من مصنفات غيرهم وأصولهم إلى النجاشي (رحمه الله). ومن ذلك يظهر مكانته (رحمه الله) علما وثقة وطريقة في الحديث عند أجلاء الأصحاب وأعاظمهم.
فمنهم: أستاذه وشيخه ومن استفاد منه: أحمد بن نوح أبي العباس السيرافي الذي ذكر ترجمته (ر 209) وقال: كان ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه، فقيها بصيرا بالحديث والرواية، وهو استاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه (رحمه الله).
فقد وصى (رحمه الله) بكتبه، وفيها كتبه التي بخطه الشريف (رحمه الله) للماتن. وقد كرر الماتن (رحمه الله) في الرجال الإشارة إلى هذه الوصاية، وإلى هذه الكتب، وإلى خطه الشريف في مواضع كثيرة، وإن شئت فلاحظ ترجمة أيوب بن نوح (ر 254)، وبشر بن سلام (ر 286)، وثعلبة بن ميمون (ر 302) والحسين بن عنبسة الصوفي
Shafi 20
(ر 158)، والحسين بن عبيد الله (ر 86)، وغير تلك مما يطول ذكرها.
ومنهم: أبو عبد الله الحسين بن محمد بن علي الشجاعي أبي الحسين الكاتب. فقد وصى إليه (رحمه الله) بكتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني، التي قرأها والده محمد بن علي الشجاعي على محمد بن إبراهيم النعماني بمشهد العتيقة، وبسائر كتبه. وكان الماتن (رحمه الله) رآه يقرء هذا الكتاب على النعماني. وقد نص على ذلك الماتن (قدس سره) في ترجمة محمد بن إبراهيم النعماني (ر 1046).
*** دفع مشايخ النجاشي كتبهم أو نسخهم إليه:
فإنه دفع غير واحد من مشايخ النجاشي كتابا أو نسخة إليه.
فدفع إليه شيخ الأدب أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري (رحمه الله) كتابا بخطه، قد أجاز له فيه جميع رواياته، كما نص عليه الماتن (رحمه الله) في ترجمة الدوري (ر 205).
وقال في أحمد بن عامر (ر 250) بعد ذكر نسخة له عن الرضا (عليه السلام): ودفع إلي هذه النسخة: نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الجندي شيخنا (رحمه الله)، قرأتها عليه، حدثكم...، إلخ. وغير ذلك مما وقفنا عليه.
*** ورود بعض مشايخ النجاشي عليه لزيارته:
فإنه قد ورد على النجاشي زائرا بعض مشايخه. منهم: شيخه الجليل أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني (رحمه الله). وعند ذلك سمع منه الحديث وأجازه. وكان ذلك سنة أربعمائة، كما نص عليه (رحمه الله) في ترجمة الحسين بن علوان
Shafi 21