ثم ذكر تعالى ما أنعم عليهم من بعثة الأنبياء، وما سلكوا من طريقة التكذيب، فقال تعالى: ولقد آتينا لقد تأكيد في الكلام، وآتينا أعطينا موسى الكتاب يعني التوراة وقفينا أتبعنا من بعد موسى بالرسل أي أرسلنا رسلا بعد رسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات قيل: أعطيناه المعجزات من إحياء الموتى، وغيرها، عن ابن عباس، وقيل: العجائب التي أراه، عن الحسن، وقيل: الإنجيل وما آتاه من أحكام هو وحيه، عن أبي علي. وأيدناه قويناه بروح القدس اختلفوا في الروح، فقيل: هو جبريل، لقوله: (نزل به الروح الأمين) عن الحسن وقتادة والربيع والضحاك والسدي، وإنما سمي جبريل: روحا لوجهين: أحدهما: أنه يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح. والثاني: أن الغالب عليه هو الروحانية، وكذلك سائر الملائكة غير أنه خصه به تشريفا، وقيل: هو الإنجيل، سمي روحا، كما سمي القرآن روحا في قوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) وسمي به؛ لأن الدين يحيا به، عن أبي زيد، وقيل: هو الاسم الذي كان يحيي به عيسى الموتى، عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وقيل: هو الروح الذي نفخ فيه، فأضافه إلى نفسه تشريفا، كما يقال: نبت الله، وناقة الله، عن الربيع، وعلى هذا: المراد به الروح الذي يحيا به الإنسان، وذلك يصحح أن الروح هو النفس؛ لأنه يصح فيه النفخ، ومن الناس من قال: لا يتكلم في الروح؛ لأن الله أبهمه، وقد أخطأ؛ لأنه تعالى إذا علم أن الصلاح أن يكلهم فيه إلى عقولهم وكلهم، كما فعل ذلك في الأمانة وبيان وقت الساعة، وكثير من مسائل الشرائع.
ويقال: على المعنى الأول: لم خص عيسى بأنه مؤيد بجبريل، وكل نبي مؤيد به؟
قلنا: لثبوت اختصاصه به من صغره إلى كبره، فكان يسير معه حيث سار، وكان معه حين صعد إلى السماء، وكان تمثل لمريم عند حملها به، وبشر به، ونفخ فيها.
واختلفوا في القدس، قيل: الطهر، كأنه دل على التطهير من الذنوب. وقيل : القدس هو الله، عن الحسن والربيع وابن زيد، قال ابن زيد: القدس والقدوس واحد. وقيل: القدوس، عن السدي. وقيل: سمي جبريل الروح الطاهر؛ لأنه لم يتضمنه أصلاب الفحول ولا أرحام الأمهات، بل كان أمرا من الله تعالى.
أفكلما جاءكم رسول خطاب لليهود، أي يا معشر اليهود كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أي لا تحب ولا توافق أنفسكم استكبرتم أي تعظمتم وتكبرتم من قبوله ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون يعني طائفة وجماعة كذبت الرسل كعيسى ومحمد، وطائفة يقتلون الرسل كيحيى وزكرياء وغيرهما - عليهم السلام -.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على أن الرسول والكتاب لا يرد بما تهوى الأنفس، وإنما يرد بما يكون مصلحة.
وتدل على تقريع من اتبع الهوى وترك الدين، وفيها زجر عن سلوك طريقة اليهود، حيث فعلوا ذلك.
وتدل على أن اليهود لم يفعلوا ما فعلوا من التكذيب محاماة على الدين، ولا تمسكا بالكتاب، ولكن اتباعا للهوى، وإيثارا للدنيا، وفيه زجر لعلماء السوء الذين يسلكون طريقتهم في ذلك.
Shafi 480