ووقع من جرى أهل العلم على اعتماد قوله في (الجرح والتعديل) شاهد على مراعاة هذه الصفة في الناقد.
يصدق ذلك: أن الناقد يسعى إلى إثبات عدالة الراوي وضبطه، فإن كان فاقدًا للعدالة أو الضبط في نفسه فكيف يقدر على الحكم على غيره، فأما عدالته فكما مر في بيان الصفة الأولى، وأما الضبط فمن كان كثير الخطأ في نقله وعلمه، أو ضعيفًا، أو متهمًا بكذب، فهذا قد سقط بسقوط درايته بحديث نفسه، فكيف يدري حديث غيره فيتمكن على وفق درايته من نقده؟!
قال أبو داود السجستاني: قلت لأحمد (يعني ابن حنبل): عمير بن سعيد؟ قال: " لا أعلم به بأسًا "، قلت له: فإن أبا مريم قال تسلني عن عمير الكذاب؟ قال: وكان عالمًا بالمشايخ، فقال أحمد: " حتى يكون أبو مريم ثقة " (١)؟.
يقول أحمد: إنما يعتد بكلامه لو كان ثقة، أما وهو رجل مجروح ساقط، فلا.
وأبو مريم هذا هو عبد الغفار بن القاسم الأنصاري، أحد من ذكروا بمعرفة الحديث، لكنه كان يضع الحديث.
وإليك ثلاثة من هؤلاء الذين لهم قول مذكور في كتب الجرح والتعديل، تحتاج إلى التوقي من نقدهم وكلامهم في الرواة؛ لأن الكلام فيهم أسقط اعتمادهم في الجرح والتعديل:
[١] محمد بن عمر بن واقدٍ الواقدي الأسلمي (المتوفى سنة: ٢٠٧).
كان واسع المعرفة، كثير الأخبار، رواية للسير والمغازي، ومن أكثر الناس كلامًا فيها، وله كلام كثير في وفيات الشيوخ، لكن الأئمة النقاد
(١) سؤالات أبي داود (النص: ٣٤٢).