معلوم كما أن اللونية والحيوانية وسائر قضايا الكلية ثابتة في العقل عندهم، وهي علوم لا يقال لا معلوم لها، ولكن لا وجود لمعلوماتها في الأعيان، حتى صرح الفلاسفة بأن الكليات موجودة في الأذهان لا في الأعيان. وإنما الموجود في الأعيان جزئيات شخصية وهي محسوسة غير معقولة، ولكنها سبب لأن ينتزع العقل منها قضية مجردة عن المادة عقلية. فإذن اللونية قضية مفردة في العقل سوى السوادية والبياضية، ولا يتصور في الوجود لون ليس بسواد ولا بياض ولا غيره من الألوان، ويثبت في العقل صورة اللونية من غير تفصيل، ويقال: هي صورة وجودها في الأذهان لا في الأعيان. فإن لم يمتنع هذا لم يمتنع ما ذكرناه.
لو قدر عدم العاقل ..
وأما قولهم: لو قدر عدم العقلاء أو غفلتهم ما كان الإمكان ينعدم، فنقول: ولو قدر عدمهم هل كانت القضايا الكلية وهي الأجناس والأنواع تنعدم؟ فإذا قالوا: نعم، إذ لا معنى لها إلا قضية في العقول، فكذلك قولنا في الإمكان، ولا فرق بين البابين. وإن زعموا أنها تكون باقية في علم الله فكذى القول في الإمكان. فالإلزام واقع والمقصود إظهار تناقض كلامهم.
امتناع وجود شريك لله
وأما العذر عن الامتناع بأنه مضاف إلى المادة الموصوفة بالشيء إذ يمتنع عليه ضده، فليس كل محال كذلك فإن وجود شريك لله محال، وليس ثم مادة يضاف إليها الامتناع. فإن زعموا أن معنى استحالة الشريك أن انفراد الله تعالى بذاته وتوحده واجب والانفراد مضاف إليه، فنقول: ليس واجب، فإن العالم موجود معه فليس منفردًا. فإن زعموا أن انفراده عن النظير واجب ونقيض الواجب ممتنع، وهو إضافة إليه، قلنا: نعني أن انفراد الله عنها ليس كانفراده عن النظير، فإن انفراده عن النظير واجب وانفراده عن المخلوقات الممكنة غير واجب، فنتكلف إضافة الإمكان إليه بهذه الحيلة كما تكلفوه في رد الامتناع إلى ذاته بقلب عبارة الامتناع إلى الوجوب ثم بإضافة الانفراد إليه بنعت الوجوب.
السواد هو في العقل
وأما العذر عن السواد والبياض بأنه لا نفس له ولا ذات منفردًا، إن عني
1 / 122