في الأمرين تناقض
فإن قيل: إثبات صفة شأنها تمييز الشيء عن مثله غير معقول بل هو متناقض، فإن كونه مثلًا معناه أنه لا تميز له، وكونه مميزًا معناه أنه ليس مثلًا، ولا ينبغي أن يظن أن السوادين في محلين متماثلان من كل وجه لأن هذا في محل وذاك في محل آخر، وهذا يوجب التميز.
ولا السوادان في وقتين في محل واحد متماثلان مطلقًا لأن هذا فارق ذلك في الوقت، فكيف يساويه من كل وجه. وإذا قلنا: السوادان مثلان، عنينا به في السوادية مضافًا إليه على الخصوص لا على الإطلاق، وإلا فلو اتحد المحل والزمان ولم يبق تغاير لم يعقل سوادان ولا عقلت الإثنينية أصلًا.
العطشان
إذا كان بين يديه قدحان متساويان لا يمكن أن يأخذ أحدهما بدون تمييز يحقق هذا أن لفظ الإرادة مستعارة من إرادتنا ولا يتصور منا أن نميز بالإرادة الشيء عن مثله، بل لو كان بين يدي العطشان قدحان من الماء يتساويان من كل وجه بالإضافة إلى غرضه، لم يمكن أن يأخذ أحدهما، بل إنما يأخذ ما يراه أحسن أو أخف أو أقرب إلى جانب يمينه، إن كان عادته تحريك اليمين أو سبب من هذه الأسباب إما خفي وإما جلي، وإلا فلا يتصور تمييز الشيء عن مثله بحال.
إنكار الأمر في حق الله ..
والاعتراض من وجهين: الأول أن قولكم: إن هذا لا يتصور، عرفتموه ضرورة أو نظرًا؟ ولا يمكن دعوى واحد منهما، وتمثيلكم بإرادتنا مقايسة فاسدة تضاهي المقايسة في العلم، وعلم الله يفارق علمنا في أمور قررناها، فلم تبعد المفارقة في الإرادة بل هو كقول القائل: ذات موجودة لا خارج العالم ولا داخله ولا متصلًا ولا منفصلًا لا يعقل لأنا لا نعقله في حقنا. قيل: هذا عمل توهمك، وأما دليل العقل فقد ساق العقلاء إلى التصديق بذلك، فبم تنكرون على من يقول: دليل العقل ساق إلى إثبات صفة لله تعالى من شأنها تمييز الشيء عن مثله؟ فإن لم يطابقها اسم الإرادة فلتسم باسم آخر، فلا مشاحة في الأسماء. وإنما أطلقناها نحن بإذن الشرع، وإلا فالإرادة موضوعة في اللغة لتعيين ما فيه غرض،
1 / 103