Tafsir Surah An-Nur
تفسير سورة النور
Nau'ikan
المسألة الأولى: ثبوت حد الزنا وتفاصيله
المسألة الأولى: دلت الآية الكريمة على ثبوت حد الزنا، وهو جلد كل من الزاني والزانية مائة جلدة؛ ولكن هذا الحد فيه تفصيل دلت النصوص الأخرى على بيانه، وهو أن مَن فعل الزنا لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون بكرًا.
والحالة الثانية: أن يكون ثيبًا سواءً كان رجلًا أو امرأة.
أما إذا كان بكرًا، فقد أجمع العلماء ﵏ على أن البكر إذا زنا فإنه يجلد مائة جلدة؛ ولكن اختلفوا؛ هل يجب تغريبه أو لا يجب تغريبه، وذلك على ثلاثة أقوال عند أهل العلم ﵏: - فمذهب الإمام أحمد والشافعي وداوُد الظاهري أنه إذا زنى الرجل البكر بالمرأة البكر فإنه يجب جلد كل واحد منهما مائة جلدة، ثم يغرب سنة كاملة عن أهله، واحتج أصحاب هذا القول بما ثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت ﵁ أن النبي ﷺ قال: (البكر بالبكر؛ جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب؛ جلد مائة والرجم)، وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي ﷺ أوجب جلد كل بكر مائة جلدة، وأوجب تغريبَه أيضًا، ولم يفرق بين الذكر والأنثى.
- أما القول الثاني في المسألة: فقالوا: لا يجب التغريب أصلًا، لا على الرجل ولا على المرأة، وهذا هو قول الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، وقال الإمام: إن الله ﷿ ذكر الجلد في القرآن ولم يزد على ذلك، فنحن نقتصر على ما ورد به النص في الكتاب، وأما حديث السنة فهو زيادةُ آحادٍ فلا يُعْمَل بها لئلا يكون ذلك من باب نسخ القطعي بالظني، وذلك لا يجوز.
- القول الثالث في المسألة: أنه يجب تغريب الذكر ولا يجب تغريب الأنثى، وهذا هو قول الإمام مالك ﵀ قال: إذا زنى الرجل أقمتُ عليه الحد مائة جلدة، وأغربه عامًا كاملًا عن أهله، وأما المرأة فإنه يجب جلدها مائة جلدة ولا تغرَّب، قال: أما الرجل فاحتج بحديث عبادة بن الصامت ﵁ في قوله: (البكر بالبكر؛ جلد مائة وتغريب عام) أما الأنثى فإني أسقط عنها التغريب؛ لأنني إذا غرَّبتها فإنه لا يخلو الأمر من حالتين: إما أن أغرِّبها بدون محرم، فأخالف النص الذي ينهى عن سفر المرأة بدون محرم، في قوله ﵊: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو حرمة)، وإن غرَّبتها مع محرمها؛ فإنني أعاقب بريئًا لا ذنب له -وهو محرمها الذي سيغرَّب معها- فعلى كلا الوجهين يقول بعدم التغريب لهذا.
وأصح الأقوال -والعلم عند الله- وجوب تغريب الرجل والمرأة، وذلك لصريح حديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم الذي تقدمت الإشارة إليه.
وبناءً عليه: فإن البكر إذا زنى وجب أن يقام عليه الحد مائة جلدة، ويغرَّب عامًا كاملًا.
والسؤال: ما هو التغريب؟ التغريب: مأخوذ من الغربة، وأصله سفر الإنسان، وتغريب الزاني بمعنى أن يُبعد عن المكان الذي زنى فيه سنة كاملة، وهذا علاج حكيم أراد به الشرع قطع دابر الفساد، وتهيئة البيئة الصالحة للشاب أو الشابة الذي بلي بالزنا حتى يكون أدعى لتوبته، فإذا غُرِّب عامًا كاملًا قطع عن الفساد الذي عهده، وابتعد عن المكان الذي يحركه للفتنة.
1 / 29