قال الشَّافِعِي: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي ﷺ فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله.
فإن قال: ما الدليل على ما تقول؟
قال الشَّافِعِي: فما وصفت من موضعه من الإبانة عن الله معنى ما أراد
بفرائضه، خاصًا وعامًا، مما وصفتُ في كتابي هذا، وأنه لا يقول أبدًا لشيء إلا بحكم الله.
ولو نسخ الله مما قال حكمًا لسنَّ رسول الله ﷺ فيما نسخه سنة.
ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله ﷺ ثم نسخ سنته بالقرآن ولا يؤثر
عن رسول الله ﷺ السنة الناسخة: جاز أن يقال: فيما حرَّم رسول الله ﷺ من
البيوع كلها: قد يحتمل أن يكون حَرمها قبل أن يُنزل عليه (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، وفيمن رَجَمَ من الزناة: قد يحتمل أن يكون
الرجم منسوخًا؛ لقول الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وفي المسح على الخفين: نسخت آية الوضوء المسح.
وجاز أن يقال: لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرز، وسرقته أقل من ربع
دينار؛ لقول اللَّه تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية.
لأن اسم السرقة يلزم من سرق قليلًا وكثيرًا، ومن حرز ومن غير
حرز، ولجاز ردُّ كل حديث عن رسول اللَّه بأن يقال: لم يقله، إذا لم يجده مثل التنزيل، وجاز رد السنن بهذين الوجهين، فتُركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه، وهي لا تكون أبدًا إلا موافقة له، إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه، أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه كثر مما في اللفظ في التنزيل، وإن كان محتمِلًا أن يخالفه من وجه.
1 / 217