وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يزيد عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم كثيرا ما يحذفون الكسور في كلامهم، أو أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل، عليه السلام، به عليه السلام. فإنه (2) قد روى الإمام أحمد أنه قرن به، عليه السلام، ميكائيل في ابتداء الأمر، يلقى إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.
ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل القرآن: أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف، وهو البلد الحرام، كما أنه كان في زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان؛ ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن في شهر رمضان؛ لأنه ابتدئ نزوله فيه؛ ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان في السنة التي توفى فيها عارضه به مرتين تأكيدا وتثبيتا .
وأيضا في هذا الحديث بيان أنه من القرآن مكي ومنه مدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد كان، حتى ولو كان بمكة أو عرفة. وقد أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر، وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط في تقييدها عسر ونظر، ولكن قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: { ياأيها الذين آمنوا } فهي مدنية وما فيها: { ياأيها الناس } فيحتمل أن يكون من هذا ومن هذا، والغالب أنه مكي. وقد يكون مدنيا كما في البقرة { ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } (3) [البقرة: 20] ، { ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين } [البقرة: 168] .
قال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا من سمع الأعمش يحدث عن إبراهيم بن علقمة: كل شيء في القرآن: { ياأيها الذين آمنوا } فإنه أنزل بالمدينة، وما كان { ياأيها الناس } فإنه أنزل بمكة (4) . ثم قال: حدثنا علي بن معبد، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، قال: ما كان في القرآن: { ياأيها الناس } و{ يابني آدم } فإنه مكي، وما كان: { ياأيها الذين آمنوا } فإنه مدني (5)
Shafi 23