وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا} بيانا لمذهب المنافقين، {وإذا خلوا إلى شياطينهم} رؤوسهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم، والشيطان: المتمرد العاتي من الجن والإنس، وأصله البعد، يقال: بئر شيطان، أي بعيدة قعر العمق؛ وسمي الشيطان شيطانا لامتداده في الشر وبعده من الخير، {قالوا: إنا معكم} أي مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم، {إنما نحن مستهزئون(14)} توكيد لقوله: {إنا معكم}، وقوله: {إنما نحن مستهزئون} رد للإسلام، لأن المستهزئ بالشيء المستخف به منكر له، والاستهزاء السخرية والاستخفاف، {الله يستهزئ بهم} أي يجازيهم على استهزائهم، فسمى جزاء الاستهزاء باسمه، كقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (¬1) ، {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} (¬2) ، فسمى جزاء السيئة سيئة، وجزاء الاعتداء اعتداء، وإن لم يكن الجزاء سيئة والاعتداء (¬3) ؛ وهذا لأن الاستهزاء على الله تعالى لا يجوز من حيث الحقيقة، لأنه من باب العبث وتعالى عنه، ويجوز في المعنى استهزاؤه بهم خذلانه لهم، وترك نصرته إياهم، كما تركوا دينه، ولم يحتلفوا (¬4) به، على معنى المقابلة والمجازاة، لأنهم إذا تركوا دينه فقد اتخذوه هزؤا، وإن لم يستهزئوا بألسنتهم؛ وقيل: معناه إهانتهم لأن المستهزئ غرضه (¬5) بالشيء غرضه إدخال الهوان والحقارة عليه. {
¬__________
(¬1) - ... سورة الشورى: 40.
(¬2) - ... سورة البقرة: 194.
(¬3) - ... كذا في الأصل، والصواب: «ولا اعتداء».
(¬4) - ... كذا في الأصل، ولم نجد هذه الكلمة في كتب اللغة ولعل الصواب: «ولم يحتفلوا به»، أي لم يبالوا، قال ابن منظور في اللسان: «وما حفله، وما حفل به، يحفل حفلا، وما احتفل به، أي ما بالى، والحفل: المبالاة، يقال: ما أحفل بفلان،: أي ما أبالي به». ابن منظور: لسان العرب، ج1/676.
(¬5) - ... كذا في الأصل، والصواب: - «غرضه»، فتكون العبارة: «لأن المستهزئ بالشيء غرضه إدخال الهوان...».
Shafi 20