* وحَدِيثُ عَائِشَةَ: (فُرِضَت الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ) إلى آخِرِ الحَدِيثِ، قالَ أبو عُمَرَ: هَذا الحَدِيثِ عِلَّتُهُ بَيِّنَةٌ، وَهِي مُخَالَفِةٌ لَهُ، وذَلِكَ أنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ في السَّفَرِ، والصَّاحِبُ إذا روَى حَدِيثًا عَنِ النبيِّ ﷺ وخَالَفَهُ بِعَمَلِه كَانتْ [عِلَّةً] (١) في الحَدِيثِ تُوجِبُ التَّوقُّفَ عنهُ، والذي ثَبَتَ مِنْ هذَا أنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ على النبيِّ ﷺ مِنْ أَوَّلِ مَا فُرِضَتْ بِتَمَامِهَا، ثُمَّ قُصِرَتْ بعدَ ذَلِكَ في السَّفَرِ، لِحَالَةِ التَّعَبِ فيهِ، كمَا رُخِّصَ للمُسَافِرِ في الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِحَالَةِ مَشَقَّةِ الصِّيَامِ.
وقالَ غَيْرُ أَبي مُحَمَّدٍ: يَحْتَمِلُ قَوْلُ عَائِشَةَ: (فُرِضَت الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في السَّفَرِ والحَضَرِ) أنَّهَا أَرَادَت الصَّلاَةُ التي كَانُوا يُصَلُّونَها بمكَّةَ قَبْلَ لَيْلَةِ الإسْرَاءِ رَكْعَتَيْنِ غُدْوَةً ورَكْعَتَيْنِ عَشيَّةً، وذَكَرَها في القُرْآنِ في قَوْلهِ ﵎: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ (٢) [طه: ١٣٠] فَيَحْتَمِلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أنَّهَا أَرَادتْ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، واللهُ أعلمُ.
وتَأَوَّلَ النَّاسُ في تَمَامِ عُثْمَانَ بنِ عفَّانَ للصَّلاَةِ في السَّفَرِ، وإتْمَام عَائِشَةَ تَأوِيلاَتٍ، فَقِيلَ في عُثْمَانَ أنَّهُ إنَّما أَتَمَّهَا لأنَّهُ قالَ: (أَنَا خَلِيفَةٌ، فَحَيْثُ مَا كُنْتُ فأَنا في عَمَلِي) (٣) كأنَّهُ مُقِيمٌ في أَهْلِهِ، وقِيلَ: إنَّمَا أَتَمَّهَا بِمِنَى وعَرَفةَ مِنْ أَجْلِ الأَعْرَاب الذينَ يُشَاهِدُوا مَعَهُ المَوْسِمَ، فأرَادَ أنْ يُرِيهِم أنَّ الصَّلاةَ أَربَعُ رَكَعَاتٍ، [وَقِيلَ] (٤): إنَّما أَتَمَّهَا حِينَئِذٍ لأنَّهُ كَانَ اتَّخَذَ أَهْلًا بالطَّائِفِ، فكَأَنَّهُ كَان مُقِيمًَا بِمَكَّةَ ومَا جَاوَرَهَا.
والذي تَأَوَّلَتْ في ذَلِكَ عَائِشَةُ أنَّهَا أُمُّ المُؤْمِنِينَ، فَحَيْثُ مَا كَانَتْ فَهِي مُقِيمَةٌ مَعَ وَلَدِهَا.