237

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

ومن المحتمل حينئذ أن يكون الحب هو التعلق الخاص بهذين الموردين ولا يوجد في غير موردهما لكن الاختبار بالآثار يدفع ذلك، فإن لهذا التعلق المسمى حبا أثرا في المتعلق اسم فاعل وهو حركة القوة وانجذابها نحو الفعل إذا فقدته وتحرجها عن تركه إذا وجدته، وهاتان الخاصتان أو الخاصة الواحدة نجدها موجودة في مورد جميع القوى الإدراكية التي لنا وأفعالها وإن قوتنا الباصرة والسامعة والحافظة والمتخيلة وغيرها من القوى والحواس الظاهرية والباطنية جميعها - سواء كانت فاعلة أو منفعلة - على هذه الصفة فجميعها تحب فعلها وتنجذب إليها وليس إلا لكون أفعالها كمالات لها يتم بها نقصها وحاجتها الطبيعية، وعند ذلك يتضح الأمر في حب المال وحب الجاه وحب العلم فإن الإنسان يستكمل نوع استكمال بالمال والجاه والعلم.

ومن هنا يستنتج أن الحب تعلق خاص وانجذاب مخصوص شعوري بين الإنسان وبين كماله، وقد أفاد التجارب الدقيقة بالآثار والخواص أنه يوجد في الحيوان غير الإنسان، وقد تبين أن ذلك لكون المحب فاعلا أو منفعلا عما يحبه من الفعل والأثر ومتعلقا بتبعه بكل ما يتعلق به كما مر في حديث الأكل والفاكهة، وغير الحيوان أيضا كالحيوان إذا كان هناك استكمال أو إفاضة لكمال مع الشعور.

ومن جهة أخرى لما كان الحب تعلقا وجوديا بين المحب والمحبوب كانت رابطة قائمة بينهما فلو كان المعلول الذي يتعلق به حب علته موجودا ذا شعور وجد حب علته في نفسه لو كان له نفس واستقلال جوهري.

ويستنتج من جميع ما مر: أولا أن الحب تعلق وجودي وانجذاب خاص بين العلة المكملة أو ما يشبهها وبين المعلول المستكمل أو ما يشبهه، ومن هنا كنا نحب أفعالنا لاستكمالنا بها ونحب ما يتعلق به أفعالنا كغذاء نتغذى به، أو زوج نتمتع بها، أو مال نتصرف فيه، أو جاه نستفيد به، أو منعم ينعم علينا، أو معلم يعلمنا، أو هاد يهدينا أو ناصر ينصرنا، أو متعلم يتعلم منا، أو خادم يخدمنا، أو أي مطيع يطيعنا وينقاد لنا، وهذه أقسام من الحب بعضها طبيعي وبعضها خيالي وبعضها عقلي.

وثانيا: أن الحب ذو مراتب مختلفة من الشدة والضعف فإنه رابطة وجودية - والوجود مشكك في مراتبه - ومن المعلوم أن التعلق الوجودي بين العلة التامة ومعلولها ليس كالتعلق الكائن بين العلل الناقصة ومعلولاتها، وأن الكمال الذي يتعلق بواسطته الحب مختلف من حيث كونه ضروريا أو غير ضروري، ومن حيث كونه ماديا كالتغذي أو غير مادي كالعلم، وبه يظهر بطلان القول باختصاصه بالماديات حتى ذكر بعضهم: أن أصله حب الغذاء، وغيره ينحل إليه، وذكر آخرون: أن الأصل في بابه حب الوقاع، وغيره راجع إليه.

وثالثا: أن الله سبحانه أهل للحب بأي جهة فرضت فإنه تعالى في نفسه موجود ذو كمال غير متناه وأي كمال فرض غيره فهو متناه، والمتناهي متعلق الوجود بغير المتناهي وهذا حب ذاتي مستحيل الارتفاع، وهو تعالى خالق لنا منعم علينا بنعم غير متناهية العدة والمدة فنحبه كما نحب كل منعم لإنعامه.

ورابعا: أن الحب لما كانت رابطة وجودية - والروابط الوجودية غير خارجة الوجود عن وجود موضوعها ومن تنزلاته - أنتج ذلك أن كل شيء فهو يحب ذاته، وقد مر أنه يحب ما يتعلق بما يحبه فيحب آثار وجوده، ومن هنا يظهر أن الله سبحانه يحب خلقه لحب ذاته، ويحب خلقه لقبولهم إنعامه عليهم، ويحب خلقه لقبولهم هدايته.

وخامسا: أن لزوم الشعور والعلم في مورد الحب إنما هو بحسب المصداق وإلا فالتعلق الوجودي الذي هو حقيقة الحب لا يتوقف عليه من حيث هو، ومن هنا يظهر أن القوى والمبادي الطبيعية غير الشاعرة لها حب بآثارها وأفعالها.

وسادسا: يستنتج مما مر أن الحب حقيقة سارية في الموجودات.

بحث فلسفي آخر

مسألة انقطاع العذاب والخلود مما اختلف فيه أنظار الباحثين من حيث النظر العقلي ومن جهة الظواهر اللفظية.

والذي يمكن أن يقال: أما من جهة الظواهر، فالكتاب نص في الخلود، قال تعالى: "وما هم بخارجين من النار" الآية والسنة من طرق أئمة أهل البيت مستفيضة فيه، وقد ورد من غير طريقهم أخبار في الانقطاع ونفي الخلود، وهي مطروحة بمخالفة الكتاب.

Shafi 238