235

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

وإذ كان هذا المدح والذم متعلقا بالحب من جهة أثره الذي هو الاتباع فلو كان الحب للغير بتعقيب إطاعة الله تعالى في أمره ونهيه لكون الغير يدعو إلى طاعته تعالى - ليس له شأن دون ذلك - لم يتوجه إليه ذم البتة كما قال تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى قوله - أحب إليكم من الله ورسوله": التوبة - 24، فقرر لرسوله حبا كما قرره لنفسه لأن حبه (عليه السلام) حب الله تعالى فإن أثره وهو الاتباع عين اتباع الله تعالى فإن الله سبحانه هو الداعي إلى إطاعة رسوله والأمر باتباعه، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله": النساء - 64، وقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وكذلك اتباع كل من يهتدي إلى الله باتباعه كعالم يهدي بعلمه أو آية تعين بدلالته وقرآن يقرب بقراءته ونحو ذلك فإنها كلها محبوبة بحب الله واتباعها طاعة تعد مقربة إليه.

فقد بان بهذا البيان أن من أحب شيئا من دون الله ابتغاء قوة فيه فاتبعه في تسبيبه إلى حاجة ينالها منه أو اتبعه بإطاعته في شيء لم يأمر الله به فقد اتخذ من دون الله أندادا وسيريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، وأن المؤمنين هم الذين لا يحبون إلا الله ولا يبتغون قوة إلا من عند الله ولا يتبعون غير ما هو من أمر الله ونهيه فأولئك هم المخلصون لله دينا.

وبان أيضا أن حب من حبه من حب الله واتباعه اتباع الله كالنبي وآله والعلماء بالله، وكتاب الله وسنة نبيه وكل ما يذكر الله بوجه إخلاص لله ليس من الشرك المذموم في شيء، والتقرب بحبه واتباعه تقرب إلى الله، وتعظيمه بما يعد تعظيما من تقوى الله، قال تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب": الحج - 32 والشعائر هي العلامات الدالة، ولم يقيد بشيء مثل الصفا والمروة وغير ذلك، فكل ما هو من شعائر الله وآياته وعلاماته المذكرة له فتعظيمه من تقوى الله ويشمله جميع الآيات الآمرة بالتقوى.

نعم لا يخفى لذي مسكة أن إعطاء الاستقلال لهذه الشعائر والآيات في قبال الله واعتقاد أنها تملك لنفسها أو غيرها نفعا أو ضرا أو موتا أو حياة أو نشورا إخراج لها عن كونها شعائر وآيات وإدخال لها في حظيرة الألوهية وشرك بالله العظيم، والعياذ بالله تعالى.

قوله تعالى: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العقاب، ظاهر السياق أن قوله: إذ مفعول يرى، وأن قوله: إن القوة لله إلى آخر الآية، بيان للعذاب، ولو للتمني.

والمعنى ليتهم يرون في الدنيا يوما يشاهدون فيه العذاب فيشاهدون أن القوة لله جميعا وقد أخطئوا في إعطاء شيء منه لأندادهم وأن الله شديد في عذابه، وإذاقته عاقبة هذا الخطأ فالمراد بالعذاب في الآية - على ما يبينه ما يتلوه - مشاهدتهم الخطأ في اتخاذهم أندادا يتوهم قوة فيه ومشاهدة عاقبة هذا الخطأ ويؤيده الآيتان التاليتان: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا فلم يصل من المتبوعين إلى تابعيهم نفع كانوا يتوقعونه ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب فلم يبق تأثير لشيء دون الله، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة، وهو تمني الرجوع إلى الدنيا فنتبرأ منهم أي من الأنداد المتبوعين في الدنيا كما تبرءوا منا في الآخرة، كذلك يريهم الله أي الذين ظلموا باتخاذ الأنداد أعمالهم، وهي حبهم واتباعهم لهم في الدنيا حالكونها حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار.

قوله تعالى: وما هم بخارجين من النار، فيه حجة على القائلين بانقطاع العذاب من طريق الظواهر.

Shafi 236