Tafsirin Mizani
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Nau'ikan
2 سورة البقرة - 163 - 167
وإلهكم إله وحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (163) إن فى خلق السموت والأرض واختلف اليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لايت لقوم يعقلون (164) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعملهم حسرت عليهم وما هم بخرجين من النار (167)
بيان
الآيات متحدة متسقة ذات نظم واحد - وهي تذكر التوحيد - وتقيم عليه البرهان وتذكر الشرك وما ينتهي إليه أمره.
قوله تعالى: وإلهكم إله واحد، قد مر معنى الإله في الكلام على البسملة من سورة الحمد في أول الكتاب، وأما الوحدة فمفهومها من المفاهيم البديهية التي لا نحتاج في تصورها إلى معرف يدلنا عليها، والشيء ربما يتصف بالوحدة من حيث وصف من أوصافه، كرجل واحد، وعالم واحد، وشاعر واحد، فيدل به على أن الصفة التي فيه لا تقبل الشركة ولا تعرضها الكثرة، فإن الرجولية التي في زيد مثلا - وهو رجل واحد - ليست منقسمة بينه وبين غيره، بخلاف ما في زيد وعمرو مثلا - وهما رجلان - فإنه منقسم بين اثنين كثير بهما، فزيد من جهة هذه الصفة - وهي الرجولية - واحد لا يقبل الكثرة، وإن كان من جهة هذه الصفة وغيرها من الصفات كعلمه، وقدرته، وحياته، ونحوها ليس بواحد بل كثير حقيقة، والله سبحانه واحد، من جهة أن الصفة التي لا يشاركه فيها غيره، كالألوهية فهو واحد في الألوهية، لا يشاركه فيها غيره تعالى، والعلم والقدرة والحياة، فله علم لا كالعلوم وقدرة وحياة لا كقدرة غيره وحياته، وواحد من جهة أن الصفات التي له لا تتكثر ولا تتعدد إلا مفهوما فقط، فعلمه وقدرته وحياته جميعها شيء واحد هو ذاته، ليس شيء منها غير الآخر بل هو تعالى يعلم بقدرته ويقدر بحياته وحي بعلمه، لا كمثل غيره في تعدد الصفات عينا ومفهوما، وربما يتصف الشيء بالوحدة من جهة ذاته، وهو عدم التكثر والتجزي في الذات بذاته، فلا تتجزى إلى جزء وجزء، وإلى ذات واسم وهكذا، وهذه الوحدة هي المسماة بأحدية الذات، ويدل على هذا المعنى بلفظ أحد، الذي لا يقع في الكلام من غير تقييد بالإضافة إلا إذا وقع في حيز النفي أو النهي أو ما في معناهما كقولنا ما جاءني أحد، فيرتفع بذلك أصل الذات سواء كان واحدا أو كثيرا، لأن الوحدة مأخوذة في أصل الذات لا في وصف من أوصافه بخلاف قولنا: ما جاءني واحد فإن هذا القول لا يكذب بمجيء اثنين أو أزيد لأن الوحدة مأخوذة في صفة الجائي وهو الرجولية في رجل واحد مثلا فاحتفظ بهذا الإجمال حتى نشرحه تمام الشرح في قوله تعالى: "قل هو الله أحد": الإخلاص - 1، إن شاء الله تعالى.
Shafi 228