217

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

ثم إنا لا نشك أن الإنسان موجود طبيعي ذو أفراد وأحكام وخواص وأن الذي توجده الخلقة هو الفرد من أفراد الإنسان دون مجموع الأفراد أعني الاجتماع الإنساني إلا أن الخلقة لما أحست بنقص وجوده، واحتياجه إلى استكمالات لا تتم له وحدة، جهزه بأدوات وقوى تلائم سعيه للاستكمال في ظرف الاجتماع وضمن الأفراد المجتمعين، فطبيعة الإنسان الفرد مقصود للخلقة أولا وبالذات والاجتماع مقصود لها ثانيا وبالتبع.

وأما حقيقة أمر الإنساني مع هذا الاجتماع الذي تقتضيه وتتحرك إليه الطبيعة الإنسانية إن صح إطلاق الاقتضاء والعلية والتحرك في مورد الاجتماع حقيقة فإن الفرد من الإنسان موجود شخصي واحد بالمعنى الذي تقدم من شخصيته ووحدته، وهو مع ذلك واقع في الحركة، متبدل متحول إلى الكمال، ومن هنا كان كل قطعة من قطعات وجوده المتبدل مغايرة لغيرها من القطعات، وهو مع ذلك ذو طبيعة سيالة مطلقة محفوظة في مراحل التغيرات واحدة شخصية، وهذه الطبيعة الموجودة في الفرد محفوظة بالتوالد والتناسل واشتقاق الفرد من الفرد - وهي التي نعبر عنها بالطبيعة النوعية - فإنها محفوظة بالأفراد وإن تبدلت وعرض لها الفساد والكون، بمثل البيان الذي مر في خصوص الطبيعة الفردية، فالطبيعة الشخصية موجودة متوجهة إلى الكمال الفردي، والطبيعة النوعية موجودة مطلقة متوجهة إلى الكمال .

وهذا الاستكمال النوعي لا شك في وجوده وتحققه في نظام الطبيعة، وهو الذي نعتمد عليه في قولنا: إن النوع الإنساني مثلا متوجه إلى الكمال، وإن الإنسان اليوم أكمل وجودا من الإنسان الأولى، وكذا ما تحكم به فرضية تحول الأنواع، فلولا أن هناك طبيعة نوعية خارجية محفوظة في الأفراد أو الأنواع مثلا لم يكن هذا الكلام إلا كلاما شعريا.

والكلام في الاجتماع الشخصي القائم بين أفراد قوم أو في عصر أو في محيط، ونوع الاجتماع القائم بنوع الإنسان المستمر باستمراره والمتحول بتحوله لو صح أن الاجتماع كالإنسان المجتمع حال خارجي لطبيعة خارجية! نظير القول في طبيعة الإنسان الشخصية والنوعية في التقييد والإطلاق.

فالاجتماع متحرك متبدل بحركة الإنسان وتبدله وله وحدة من بادىء الحركة إلى أين توجه بوجود مطلق - وهذا الواحد المتغير بواسطة نسبته وإضافته إلى كل حد حد تصير قطعة قطعة، وكل قطعة شخص واحد من أشخاص الاجتماع، وأشخاص الاجتماع مستندة في وجودها إلى أشخاص الإنسان، كما أن مطلق الاجتماع بالمعنى الذي تقدم مستند إلى مطلق الطبيعة الإنسانية، فإن حكم الشخص شخص الحكم وفرده، وحكم المطلق مطلق الحكم لا كلي الحكم، فلسنا نعني الإطلاق المفهومي فلا تغفل ونحن لا نشك أن الفرد من الإنسان وهو واحد له حكم واحد باق ببقائه، إلا أنه متبدل بتبدلات جزئية بتبع التبدلات الطارئة على موضوعه الذي هو الإنسان فمن أحكام الإنسان الطبيعي أنه يتغذى ويفعل بالإرادة ويحس ويتفكر - وهو موجود مع الإنسان وباق - ببقائه وإن تبدل طبق تبدله في نفسه، وكذلك الكلام في أحكام مطلق الإنسان الموجود بوجود أفراده.

ولما كان الاجتماع من أحكام الطبيعة الإنسانية وخواصها فمطلق الاجتماع نعني به الاجتماع المستمر الذي أوجدته الطبيعة الإنسانية المستمرة من حين وجد الإنسان الفرد إلى يومنا هذا من خواص النوع الإنساني المطلق، موجود معه باق ببقائه، وأحكام الاجتماع التي أوجدها واقتضاها هي مع الاجتماع موجودة بوجوده، باقية ببقائه، وإن تبدلت بتبدلات جزئية مع انحفاظ الأصل مثل نوعها، وحينئذ صح لنا أن نقول: إن هناك أحكاما اجتماعية باقية غير متغيرة، كوجود مطلق الحسن والقبح، كما أن نفس الاجتماع المطلق كذلك، بمعنى أن الاجتماع لا ينقلب إلى غير الاجتماع كالانفراد وإن تبدل اجتماع خاص إلى آخر خاص، والحسن المطلق والخاص كالاجتماع المطلق والخاص بعينه.

Shafi 218