214

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

بحث أخلاقي

علم الأخلاق وهو الفن الباحث عن الملكات الإنسانية المتعلقة بقواه النباتية والحيوانية والإنسانية، وتميز الفضائل منها من الرذائل ليستكمل الإنسان التحلي والاتصاف بها سعادته العلمية، فيصدر عنه من الأفعال ما يجلب الحمد العام والثناء الجميل من المجتمع الإنساني يظفر ببحثه أن الأخلاق الإنسانية تنتهي إلى قوى عامة ثلاثة فيه هي الباعثة للنفس على اتخاذ العلوم العملية التي تستند وتنتهي إليها أفعال النوع وتهيئتها وتعبيتها عنده، وهي القوى الثلاث: الشهوية والغضبية والنطقية الفكرية، فإن جميع الأعمال والأفعال الصادرة عن الإنسان إما من قبيل الأفعال المنسوبة إلى جلب المنفعة كالأكل والشرب واللبس وغيرها، وإما من الأفعال المنسوبة إلى دفع المضرة كدفاع الإنسان عن نفسه وعرضه وماله ونحو ذلك، وهذه الأفعال هي الصادرة عن المبدأ الغضبي كما أن القسم السابق عليها صادر عن المبدأ الشهوي، وإما من الأعمال المنسوبة إلى التصور والتصديق الفكري، كتأليف القياس وإقامة الحجة وغير ذلك، وهذه الأفعال صادرة عن القوة النطقية الفكرية، ولما كانت ذات الإنسان كالمؤلفة المركبة من هذه القوى الثلاث التي باتحادها وحصول الوحدة التركيبية منها يصدر أفعال خاصة نوعية، ويبلغ الإنسان سعادته التي من أجلها جعل هذا التركيب، فمن الواجب لهذا النوع أن لا يدع قوة من هذه القوى الثلاث تسلك مسلك الإفراط أو التفريط، وتميل عن حاق الوسط إلى طرفي الزيادة والنقيصة، فإن في ذلك خروج جزء المركب عن المقدار المأخوذ منه في جعل أصل التركيب وفي ذلك خروج المركب عن كونه ذاك المركب ولازمه بطلان غاية التركيب التي هي سعادة النوع.

وحد الاعتدال في القوة الشهوية - وهي استعمالها على ما ينبغي كما وكيفا - يسمى عفة، والجانبان في الإفراط والتفريط الشره والخمود، وحد الاعتدال في القوة الغضبية هي الشجاعة، والجانبان التهور والجبن، وحد الاعتدال في القوة الفكرية تسمى حكمة، والجانبان الجربزة والبلادة، وتحصل في النفس من اجتماع هذه الملكات ملكة رابعة هي كالمزاج من الممتزج، وهي التي تسمى عدالة، وهي إعطاء كل ذي حق من القوى حقه، ووضعه في موضعه الذي ينبغي له، والجانبان فيها الظلم والانظلام.

فهذه أصول الأخلاق الفاضلة أعني: العفة والشجاعة والحكمة والعدالة، ولكل منها فروع ناشئة منها راجعة بحسب التحليل إليها، نسبتها إلى الأصول المذكورة كنسبة النوع إلى الجنس، كالجود والسخاء، والقناعة والشكر، والصبر والشهامة

والجرأة والحياء، والغيرة والنصيحة، والكرامة والتواضع، وغيرها، هي فروع الأخلاق الفاضلة المضبوطة في كتب الأخلاق وهاك شجرة تبين أصولها وتفرع فروعها وعلم الأخلاق يبين حد كل واحد منها ويميزها من جانبيها في الإفراط والتفريط، ثم يبين أنها حسنة جميلة ثم يشير إلى كيفية اتخاذها ملكة في النفس من طريقي العلم والعمل أعني الإذعان بأنها حسنة جميلة، وتكرار العمل بها حتى تصير هيئة راسخة في النفس.

مثاله أن يقال: إن الجبن إنما يحصل من تمكن الخوف من النفس، والخوف إنما يكون من أمر ممكن الوقوع وعدم الوقوع، والمساوي الطرفين يقبح ترجيح أحد طرفيه على الآخر من غير مرجح والإنسان العاقل لا ينبغي له ذلك فلا ينبغي للإنسان أن يخاف.

فإذا لقن الإنسان نفسه هذا القول ثم كرر الإقدام والورود في المخاوف والمهاول زالت عنه رذيلة الخوف، وهكذا الأمر في غيره من الرذائل والفضائل.

فهذا ما يقتضيه المسلك الأول على ما تقدم في البيان وخلاصته إصلاح النفس وتعديل ملكاتها لغرض الصفة المحمودة والثناء الجميل.

ونظيره ما يقتضيه المسلك الثاني، وهو مسلك الأنبياء وأرباب الشرائع، وإنما التفاوت من حيث الغرض والغاية، فإن غاية الاستكمال الخلقي في المسلك الأول الفضيلة المحمودة عند الناس والثناء الجميل منهم، وغايته في المسلك الثاني السعادة الحقيقية للإنسان وهو استكمال الإيمان بالله وآياته، والخبر الأخروي وهي سعادة وكمال في الواقع لا عند الناس فقط، ومع ذلك فالمسلكان يشتركان في أن الغاية القصوى والغرض فيها الفضيلة الإنسانية من حيث العمل.

Shafi 215