208

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

التدبر في الآية يعطي أن الصلاة غير الرحمة بوجه، ويشهد به جمع الصلاة وإفراد الرحمة، وقد قال تعالى: "هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما": الأحزاب - 43، والآية تفيد كون قوله: وكان بالمؤمنين رحيما، في موقع العلة لقوله: هو الذي يصلي عليكم، والمعنى أنه إنما يصلي عليكم، وكان من اللازم المترقب ذلك، لأن عادته جرت على الرحمة بالمؤمنين، وأنتم مؤمنون فكان من شأنكم أن يصلي عليكم حتى يرحمكم، فنسبة الصلاة إلى الرحمة نسبة المقدمة إلى ذيها وكالنسبة التي بين الالتفات والنظر، والتي بين الإلقاء في النار والإحراق مثلا، وهذا يناسب ما قيل في معنى الصلاة: إنها الانعطاف والميل، فالصلاة من الله سبحانه انعطاف إلى العبد بالرحمة ومن الملائكة انعطاف إلى الإنسان بالتوسط في إيصال الرحمة، ومن المؤمنين رجوع ودعاء بالعبودية وهذا لا ينافي كون الصلاة بنفسها رحمة ومن مصاديقها، فإن الرحمة في القرآن على ما يعطيه التدبر في مواردها هي العطية المطلقة الإلهية، والموهبة العامة الربانية، كما قال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء": الأعراف - 156، وقال تعالى: "وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين": الأنعام - 133، فالإذهاب لغناه والاستخلاف والإنشاء لرحمته، وهما جميعا يستندان إلى رحمته كما يستندان إلى غناه فكل خلق وأمر رحمة، كما أن كل خلق وأمر عطية تحتاج إلى غنى، قال تعالى: "وما كان عطاء ربك محظورا: الإسراء - 20، ومن عطيته الصلاة فهي أيضا من الرحمة غير أنها رحمة خاصة، ومن هنا يمكن أن يوجه جمع الصلاة وإفراد الرحمة في الآية.

قوله تعالى: وأولئك هم المهتدون، كأنه بمنزلة النتيجة لقوله: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، ولذلك جدد اهتداءهم جملة ثانية مفصولة عن الأولى، ولم يقل: صلوات من ربهم ورحمة وهداية، ولم يقل: وأولئك هم المهديون بل ذكر قبولهم للهداية بالتعبير بلفظ الاهتداء الذي هو فرع مترتب على الهداية، فقد تبين أن الرحمة هدايتهم إليه تعالى، والصلوات كالمقدمات لهذه الهداية واهتداءهم نتيجة هذه الهداية، فكل من الصلاة والرحمة والاهتداء غير الآخر وإن كان الجميع رحمة بنظر آخر.

فمثل هؤلاء المؤمنين في ما يخبره الله من كرامته عليهم مثل صديقك تلقاه وهو يريد دارك، ويسأل عنها يريد النزول بك فتلقاه بالبشر والكرامة، فتورده مستقيم الطريق وأنت معه تسيره، ولا تدعه يضل في مسيره حتى تورده نزلة من دارك وتعاهده في الطريق بمأكله ومشربه، وركوبه وسيره، وحفظه من كل مكروه يصيبه فجميع هذه الأمور إكرام واحد لأنك إنما تريد إكرامه، وكل تعاهد تعاهد وإكرام خاص، والهداية غير الإكرام، وغير التعاهد، وهو مع ذلك إكرام فكل منها تعاهد، وكل منها هداية وكل منها إكرام خاص، والجميع إكرام.

فالإكرام الواحد العام بمنزلة الرحمة، والتعاهدات في كل حين بمنزلة الصلوات، والنزول في الدار بمنزلة الاهتداء.

والإتيان بالجملة الاسمية في قوله: وأولئك هم المهتدون، والابتداء باسم الإشارة الدال على البعيد، وضمير الفصل ثانيا وتعريف الخبر بلام الموصول في قوله: المهتدون كل ذلك لتعظيم أمرهم وتفخيمه - والله أعلم -.

Shafi 209