204

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

بيانه أن وجود الإنسان وجميع ما يتبع وجوده، من قواه وأفعاله قائم الذات بالله الذي هو فاطره وموجده فهو قائم به مفتقر ومستند إليه في جميع أحواله من حدوث وبقاء غير مستقل دونه، فلربه التصرف فيه كيف شاء وليس للإنسان من الأمر شيء إذ لا استقلال له بوجه أصلا فله الملك في وجوده وقواه وأفعاله حقيقة.

ثم إنه تعالى ملكه بالإذن نسبة ذاته، ومن هناك يقال: للإنسان وجود، وكذا نسبة قواه وأفعاله ومن هناك يقال: للإنسان قوى كالسمع والبصر، ويقال: للإنسان أفعال كالمشي والنطق، والأكل والشرب، ولو لا الإذن الإلهي لم يملك الإنسان ولا غيره من المخلوقات نسبة من هذه النسب الظاهرة، لعدم استقلال في وجودها من دون الله أصلا.

وقد أخبر سبحانه: أن الأشياء سيعود إلى حالها قبل الإذن ولا يبقى ملك إلا لله وحده، قال تعالى: "لمن الملك اليوم. لله الواحد القهار": المؤمن - 16، وفيه رجوع الإنسان بجميع ما له ومعه إلى الله سبحانه.

فهناك ملك حقيقي هو لله سبحانه لا شريك له فيه، لا الإنسان ولا غيره، وملك ظاهري صوري كملك الإنسان نفسه وولده وماله وغير ذلك وهو لله سبحانه حقيقة، وللإنسان بتمليكه تعالى في الظاهر مجازا، فإذا تذكر الإنسان حقيقة ملكه تعالى، ونسبه إلى نفسه فوجد نفسه ملكا طلقا لربه، وتذكر أيضا أن الملك الظاهري فيما بين الإنسان ومن جملتها ملك نفسه لنفسه وماله وولده سيبطل فيعود راجعا إلى ربه وجد أنه بالآخرة لا يملك شيئا أصلا لا حقيقة ولا مجازا، وإذا كان كذلك لم يكن معنى للتأثر عن المصائب الموجبة للتأثر عند إصابتها، فإن التأثر إنما يكون من جهة فقد الإنسان شيئا مما يملكه، حتى يفرح بوجدانه، ويحزن بفقدانه، وأما إذا أذعن واعتقد أنه لا يملك شيئا لم يتأثر ولم يحزن، وكيف يتأثر من يؤمن بأن الله له الملك وحده يتصرف في ملكه كيف يشاء؟.

الأخلاق

اعلم أن إصلاح أخلاق النفس وملكاتها في جانبي العلم والعمل، واكتساب الأخلاق الفاضلة، وإزالة الأخلاق الرذيلة إنما هو بتكرار الأعمال الصالحة المناسبة لها ومزاولتها، والمداومة عليها، حتى تثبت في النفس من الموارد الجزئية علوم جزئية، وتتراكم وتنتقش في النفس انتقاشا متعذر الزوال أو متعسرها، مثلا إذا أراد الإنسان إزالة صفة الجبن واقتناء ملكة الشجاعة كان عليه أن يكرر الورود في الشدائد والمهاول التي تزلزل القلوب وتقلقل الأحشاء، وكلما ورد في مورد منها وشاهد أنه كان يمكنه الورود فيه وأدرك لذة الإقدام وشناعة الفرار والتحذر انتقشت نفسه بذلك انتقاشا بعد انتقاش حتى تثبت فيها ملكة الشجاعة، وحصول هذه الملكة العلمية وإن لم يكن في نفسه بالاختيار لكنه بالمقدمات الموصلة إليه كما عرفت اختياري كسبي.

إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن الطريق إلى تهذيب الأخلاق واكتساب الفاضلة منها أحد مسلكين: المسلك الأول: تهذيبها بالغايات الصالحة الدنيوية، والعلوم والآراء المحمودة عند الناس كما يقال: إن العفة وقناعة الإنسان بما عنده والكف عما عند الناس توجب العزة والعظمة في أعين الناس والجاه عند العامة، وإن الشره يوجب الخصاصة والفقر، وإن الطمع يوجب ذلة النفس المنيعة، وإن العلم يوجب إقبال العامة والعزة والوجاهة والأنس عند الخاصة، وإن العلم بصر يتقي به الإنسان كل مكروه، ويدرك كل محبوب وإن الجهل عمى، وإن العلم يحفظك وأنت تحفظ المال، وإن الشجاعة ثبات يمنع النفس عن التلون والحمد من الناس على أي تقدير سواء غلب الإنسان أو غلب عليه بخلاف الجبن والتهور، وإن العدالة راحة النفس عن الهمم المؤذية، وهي الحياة بعد الموت ببقاء الاسم وحسن الذكر وجميل الثناء والمحبة في القلوب.

وهذا هو المسلك المعهود الذي رتب عليه علم الأخلاق، والمأثور من بحث الأقدمين من يونان وغيرهم فيه.

Shafi 205