159

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

واعلم أن اتخاذه تعالى أحدا من الناس عبدا غير كونه في نفسه عبدا، فإن العبدية من لوازم الإيجاد والخلقة، لا ينفك عن مخلوق ذي فهم وشعور، ولا يقبل الجعل والاتخاذ وهو كون الإنسان مثلا مملوك الوجود لربه، مخلوقا مصنوعا له، سواء جرى في حياته على ما يستدعيه مملوكيته الذاتية، واستسلم لربوبية ربه العزيز، أو لم يجر على ذلك، قال تعالى: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا": مريم - 94، وإن كان إذا لم يجر على رسوم العبودية وسنن الرقية استكبارا في الأرض وعتوا كان من الحري أن لا يسمى عبدا بالنظر إلى الغايات، فإن العبد هو الذي أسلم وجهه لربه، وأعطاه تدبير نفسه، فينبغي أن لا يسمى بالعبد إلا من كان عبدا في نفسه وعبدا في عمله، فهو العبد حقيقة، قال تعالى: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا": الفرقان - 63.

وعليهذا فاتخاذه تعالى إنسانا عبدا - وهو قبول كونه عبدا والإقبال عليه بالربوبية - هو الولاية، وهو تولي أمره كما يتولى الرب أمر عبده، والعبودية مفتاح للولاية، كما يدل عليه قوله تعالى: "قل إن وليي الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولى الصالحين": الأعراف - 196، أي اللائقين للولاية، فإنه تعالى سمى النبي في آيات من كتابه بالعبد، قال تعالى: "الذي أنزل على عبده الكتاب": الكهف - 1، وقال تعالى: "ينزل على عبده آيات بينات": الحديد - 9 وقال تعالى: "قام عبد الله يدعوه": الجن - 19، فقد ظهر أن الاتخاذ للعبودية هو الولاية.

وقوله (عليه السلام): وأن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، الفرق بين النبي والرسول على ما يظهر من الروايات المروية عن أئمة أهل البيت: أن النبي هو الذي يرى في المنام ما يوحى به إليه، والرسول هو الذي يشاهد الملك فيكلمه، والذي يظهر من قصص إبراهيم هو هذا الترتيب، قال تعالى: "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عنك شيئا": مريم - 42، فظاهر الآية أنه (عليه السلام) كان صديقا نبيا حين يخاطب أباه بذلك، فيكون هذا تصديقا لما أخبر به إبراهيم (عليه السلام) في أول وروده على قومه: "إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين": الزخرف - 27، وقال تعالى: "ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام": هود - 69، والقصة - وهي تتضمن مشاهدة الملك وتكليمه - واقعة في حال كبر إبراهيم (عليه السلام) بعد ما فارق أباه وقومه.

وقوله (عليه السلام): إن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، يستفاد ذلك من قوله تعالى: "واتبع ملة إبراهيم حنيفا، واتخذ الله إبراهيم خليلا": النساء - 125، فإن ظاهره أنه إنما اتخذه خليلا لهذه الملة الحنيفية التي شرعها بأمر ربه إذ المقام مقام بيان شرف ملة إبراهيم الحنيف، التي تشرف بسببها إبراهيم (عليه السلام) بالخلة والخليل أخص من الصديق فإن أحد المتحابين يسمى صديقا إذا صدق في معاشرته ومصاحبته ثم يصير خليلا إذا قصر حوائجه على صديقه، والخلة الفقر والحاجة.

وقوله (عليه السلام): وأن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، إلخ يظهر معناه مما تقدم من البيان.

وقوله: قال لا يكون السفيه إمام التقي إشارة إلى قوله تعالى، "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين": البقرة - 131، فقد سمى الله سبحانه الرغبة عن ملة إبراهيم وهو الظلم سفها، وقابلها بالاصطفاء، وفسر الاصطفاء بالإسلام، كما يظهر بالتدبر في قوله: "إذ قال له ربه أسلم" ثم جعل الإسلام والتقوى واحدا أو في مجرى واحد في قوله: "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون": آل عمران - 102 فافهم ذلك.

وعن المفيد عن درست وهشام عنهم (عليهم السلام) قال: قد كان إبراهيم نبيا وليس بإمام، حتى قال الله تبارك وتعالى: "إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي" فقال الله تبارك وتعالى: لا ينال عهدي الظالمين، من عبد صنما أو وثنا أو مثالا، لا يكون إماما.

أقول: وقد ظهر معناه مما مر.

Shafi 160