154

Tafsirin Mizani

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Nau'ikan

Tafsiri

فتعلق الابتلاء، في الآية بالكلمات إن كان المراد بها الأقوال إنما هو من جهة تعلقها بالعمل وحكايتها عن العهود والأوامر المتعلقة بالفعل كقوله تعالى "وقولوا للناس حسنا": البقرة - 83، أي عاشروهم معاشرة جميلة وقوله: بكلمات فأتمهن، الكلمات وهي جمع كلمة وإن أطلقت في القرآن على العين الخارجي دون اللفظ والقول، كقوله تعالى: "وكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم": آل عمران - 45، إلا أن ذلك بعناية إطلاق القول كما قال تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون": آل عمران - 59.

وجميع ما نسب إليه تعالى من الكلمة في القرآن أريد بها القول كقوله تعالى: "ولا مبدل لكلمات الله":، الأنعام - 34، وقوله: "لا تبديل لكلمات الله": يونس - 64، وقوله: "يحق الحق بكلماته": الأنفال - 7، وقوله: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون": يونس - 96، وقوله: "ولكن حقت كلمة العذاب": الزمر - 71، وقوله "وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار": المؤمن - 6، وقوله: "ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم": الشورى - 14، وقوله: "وكلمة الله هي العليا": التوبة - 41، وقوله: "قال فالحق، والحق أقول": ص - 84، وقوله: "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون": النحل - 40، فهذه ونظائرها أريد بها القول بعناية أن القول توجيه ما يريد المتكلم إعلامه المخاطب ما عنده كما في الأخبار أو لغرض تحميله عليه كما في الإنشاء ولذلك ربما تتصف في كلامه تعالى بالتمام كقوله تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته": الأنعام - 115، وقوله تعالى: "وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل": الأعراف - 136، كأن الكلمة إذا صدرت عن قائلها فهي ناقصة بعد، لم تتم، حتى تلبس لباس العمل وتعود صدقا.

وهذا لا ينافي كون قوله تعالى فعله، فإن الحقائق الواقعية لها حكم، وللعنايات الكلامية اللفظية حكم آخر، فما يريد الله سبحانه إظهاره لواحد من أنبيائه، أو غيرهم بعد خفائه، أو يريد تحميله على أحد قول وكلام له لاشتماله على غرض القول والكلام وتضمنه غاية الخبر والنبإ، والأمر والنهي، وإطلاق القول والكلمة على مثل ذلك شائع في الاستعمال إذا اشتمل على ما يؤديه القول والكلمة، تقول: لأفعلن كذا وكذا، لقول قلته وكلمة قدمتها، ولم تقل قولا، ولا قدمت كلمة، وإنما عزمت عزيمة لا تنقضها شفاعة شفيع أو وهن إرادة، ومنه قول عنترة: وقولي كلما جشأت وجاشت.

مكانك تحمدي أو تستريحي.

يريد بالقول توطين نفسه على الثبات والعزم، على لزومها مكانها لتفوز بالحمد إن قتل، وبالاستراحة إن غلب.

إذا عرفت ذلك ظهر لك أن المراد بقوله تعالى: بكلمات، قضايا ابتلي بها وعهود إلهية أريدت منه، كابتلائه بالكواكب والأصنام، والنار والهجرة وتضحيته بابنه وغير ذلك ولم يبين في الكلام ما هي الكلمات لأن الغرض غير متعلق بذلك، نعم قوله: قال إني جاعلك للناس إماما، من حيث ترتبه على الكلمات تدل على أنها كانت أمورا تثبت بها لياقته، (عليه السلام) لمقام الإمامة.

فهذه هي الكلمات وأما إتمامهن فإن كان الضمير في قوله تعالى: أتمهن راجعا إلى إبراهيم كان معنى إتمامهن إتيانه (عليه السلام) ما أريد منه، وامتثاله لما أمر به، وإن كان الضمير راجعا إليه تعالى كما هو الظاهر كان المراد توفيقه لما أريد منه، ومساعدته على ذلك، وأما ما ذكره بعضهم: أن المراد بالكلمات قوله تعالى: قال إني جاعلك للناس إماما، إلى آخر الآيات فمعنى لا ينبغي الركون إليه إذ لم يعهد في القرآن إطلاق الكلمات على جمل الكلام.

قوله تعالى: إني جاعلك للناس إماما، أي مقتدى يقتدي بك الناس، ويتبعونك في أقوالك وأفعالك، فالإمام هو الذي يقتدي ويأتم به الناس، ولذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد به النبوة، لأن النبي يقتدي به أمته في دينهم، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول، إلا ليطاع بإذن الله": النساء - 63، لكنه في غاية السقوط.

Shafi 155