186

** الأمثال في القرآن

( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ).

إن الآية توحي بوجود حالة نفسية تحاول أن تفصح عما في داخلها من حالة ريب أو اعتراض على ما يورده الله من الأمثلة المتعلقة بصغار الأمور وكبارها. وربما أمكن للإنسان أن يستوحي منها وجود موقف مضاد ، على أساس فكرة خاطئة تربط بين عظمة المتكلم وحجم القضايا التي يتحدث عنها ، فكانت هذه الآية التي ترفض هذه الفكرة ، وتقرر مبدأ ضرب المثل ، في صغير الأمور وكبيرها ، بطريقة حاسمة ، كأسلوب قرآني بارز في أغلب السور ، بعيدا عن كل وهم يعتبر ذلك بعيدا عن مقام الله وعظمته ، لأن دور المثل هو أن يقرب الصورة للناس مما يعيشونه في حياتهم ، وفي ما يمارسونه من أعمالهم ، لتقترب بذلك الفكرة التي يراد بها هدايتهم للحق من غير فرق في ذلك بين الصغير والكبير ، لأن القضية ليست قضية صاحب المثل ، بل هي قضية الفكرة التي يثيرها في حياة الناس ، وفي أفكارهم ، مما يدعو المتكلم إلى أن يتلمس كل الأشياء التي تشارك في توضيح الصورة وتقريب الفكرة.

وعلى ضوء ذلك ، لم يكن أسلوب ضرب الأمثال بدعا من الأساليب ، بل هو نموذج من الأساليب العامة التي يتداولها المتكلمون في الإقناع والهداية والتوجيه للناس ، من أجل أن تجد الكلمة مجالا في وجدانهم إذا واجهوها من موقع المسؤولية ، فترى المؤمنين يتقبلونها بإيمان وإذعان ، لأنهم يعرفون كيف تتحرك الكلمة ، وكيف تتجه من موقع الفكر المتأمل ، فلا يخالجهم شك في طبيعتها وفي عطائها.

Shafi 195