[الشعراء: 63]. وظهر فيه اثنا عشر طريقا؛ لكل سبط طريق، وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر فصار يبسا؛ فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق، وعن جانبيه الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا، فخافوا! وقال كل سبط: قد قتل إخواننا، فأوحى الله إلى جبال الماء: تشبكي فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع كلام بعض؛ حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى: { وإذ فرقنا بكم البحر } أي فلقناه وصيرنا الماء يمينا وشمالا. وقوله: { فأنجينكم } أي من الغرق ومن آل فرعون.
وقوله: { وأغرقنا آل فرعون }؛ وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر ورآه منفلقا. قال لقومه: أنظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا فأقتلهم؛ ادخلوا البحر. فهاب قومه أن يدخلوه؛ ولم يكن في خيل فرعون أنثى، فجاء جبريل على فرس أنثى ودنا فتقدمهم وخاض البحر، فلما شمت خيول فرعون ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يحثهم ويقول لهم: إلحقوا بأصحابكم، حتى إذا خرج جبريل من البحر وهم أولهم أن يخرج. أمر الله البحر أن يأخذهم؛ فالتطم عليهم؛ فغرقوا جميعا وذلك بمرأى من بني إسرائيل، فذلك قوله تعالى: { وأغرقنا آل فرعون } { وأنتم تنظرون }؛ إلى مصارعهم.
[2.51]
قوله عز وجل: { وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة }؛ وذلك أن بني إسرائيل لما أمنوا عدوهم ودخلوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها، فوعد الله موسى أن ينزل عليهم التوراة؛ فقال موسى لقومه: إني ذاهب لميقات ربي؛ فآتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون. وواعدهم ثلاثين ليلة من ذي القعدة وعشرا من ذي الحجة؛ واستخلف عليهم أخاه هارون. فلما أتى الوعد جاء جبريل عليه السلام على فرس يقال له فرس الحياة؛ لا يصيب شيئا إلا حيى به، فلما رأى السامري جبريل عليه السلام على ذلك الفرس؛ قال: إن لهذا شأنا؛ وكان رجلا منافقا، قد أظهر الإسلام فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبريل، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حليا كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر بعلة عرس؛ فأهلك الله قوم فرعون وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل. فلما لم يرجع موسى، قال السامري لبني إسرائيل: إن الأمتعة والحلي التي استعرتموها من قوم فرعون غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفيرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى. ففعلوا ذلك. فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري وكان رجلا صائغا، وجعل عليها القبضة التي أخذها من أثر حافر فرس جبريل؛ فأخرج عجلا من ذهب فخار؛ فذلك قوله تعالى:
عجلا جسدا له خوار
[الأعراف: 148]. فعبدوه من دون الله.
قال السدي: (كان يخور والسامري يقول: هذا إلهكم وإله موسى (فنسيه) أي تركه ها هنا وخرج بطلبه). فلما رأوا العجل وسمعوا قول السامري افتتن بالعجل ثمانية آلاف منهم فعبدوه من دون الله.
وقال بعضهم: معنى الآية: واذكروا إذ أخبر الله موسى أن يؤتيه الألواح فيها التوراة على رأس ثلاثين يوما من ذي القعدة، وأمره أن يصومها؛ فوجد من فيه خلوفا؛ أي تغير رائحة، فاستاك، فأمره الله أن يصوم عشرة أخرى من أول ذي الحجة؛ كما قال تعالى في موضع آخر:
وأتممناها بعشر
[الأعراف: 142]. فقال السامري في الأيام العشرة لبني إسرائيل: قد تمت الثلاثون ولم يرجع موسى وإنكم قد استعرتم من نساء آل فرعون حليهم حين سار بكم من مصر؛ فلما لم تردوا عليهن حليهن لم يرد الله علينا موسى، فهاتوا ما معكم من الحلي حتى نحرقه؛ فلعل الله أن يرد علينا موسى، فجمعوا الحلي وكان السامري صائغا فاتخذ من ذلك عجلا، فصار العجل جسدا له خوار، فعبدوه فذلك قوله تعالى: { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظلمون }.
Shafi da ba'a sani ba