قوله عز وجل: { سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة }؛ أي سل يا محمد يهود أهل المدينة كم أعطيناهم؛ أي أعطينا أسلافهم وإمامهم من علامة واضحة مثل العصا، واليد البيضاء؛ وفلق البحر؛ وتظليل الغمام؛ وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما كان في وقت موسى عليه السلام من المعجزات، كما آتيتك من المعجزات فلم يؤمن أولئك كما لم يؤمن هؤلاء الكفار.
وهذا السؤال سؤال تقريع وإنكار للكفار وتقرير لقلب النبي صلى الله عليه وسلم لا سؤال استفهام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى السؤال. والمعنى: كما أن هؤلاء لم يؤمنوا بالآيات البينات التي أعطيتها فلا تغتمن. و { سل بني إسرائيل } أي أنظرها في آيات بني إسرائيل كم أعطيناهم من علامات واضحات في زمن موسى عليه السلام.
قوله عز وجل: { ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جآءته فإن الله شديد العقاب }؛ أي من يغير حجة الله الدالة على أمر نبيه صلى الله عليه وسلم من بعد ما جاءته حجة الله بأن يجحدها أو يصرفها عن وجهها، { فإن الله شديد العقاب } أي شديد التعذيب لمن استحقه، وسمى الله تعالى الحج نعمة؛ لأنها من أعظم النعم على الناس في أمر الدين.
[2.212]
قوله عز وجل: { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة }؛ نزلت هذه الآية في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه، كانوا يتنعمون بما بسط الله لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد، ويسخرون من المؤمنين الذين يرفضون الدنيا ويقبلون على الطاعة والعبادة، ويقولون: لو كان محمد نبيا لاتبعه أشرافنا، والله ما يتبعه إلا الفقراء مثل ابن مسعود وعمار وصهيب وسالم وأبي عبيدة بن الجراح وبلال وخباب وعامر بن فهيرة وغيرهم، هكذا قال الكلبي.
وقال مقاتل: (نزلت في المنافقين: عبدالله بن أبي وأصحابه)، كانوا يتنعمون في الدنيا بما بسط الله لهم فيها من الخير، ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين، ويقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنه يغلب بهم! وكانوا يعيرونهم بقلة ذات أيديهم. وقال عطاء: (نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم من بني قريظة والنضير، سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم الله تعالى أن يعطيهم أموال بني قريظة والنضير بغير قتال أسهل شيء وأيسره).
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده، شهره الله تعالى يوم القيامة ثم يفضحه، ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله تعالى على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه، وإن المؤمن عند الله أعظم من ملك مقرب، وليس شيء أحب إلى الله تعالى من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة، وإن المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده "
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (لا تحقرن أحدا من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير). وقال يحيى بن معاذ: (بئس القوم قوم إذا استغنى المؤمن بينهم حسدوه، وإذا افتقر بينهم استذلوه).
قوله عز وجل: { والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } أي فوقهم في الدرجة، يعني الذين اتقوا الشرك والفواحش والكبائر فوق الكفار يوم القيامة، في الجنة يكون المؤمنون في عليين والكفار في الجحيم.
Shafi da ba'a sani ba