واختلفوا في السبب الذي كان لأجله يكره قبلة بيت المقدس وهوي الكعبة. فقال ابن عباس: (لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام). وقال مجاهد: (من أجل أن اليهود قالوا: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا).
وقال مقاتل:
" لما أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس، قالت: اليهود: يزعم محمد أنه نبي؛ وما نراه أحدث في نبوته شيئا! أليس يصلي إلى قبلتنا، ويستن بسنتنا! فإن كانت هذه نبوة فنحن أقدم وأوفر نصيبا. فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وازداد شوقا إلى الكعبة وقال: " وددت أن الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، فإني أبغضهم وأبغض موافقتهم " فقال جبريل عليه السلام: إنما أنا عبد مثلك، ليس لي من الأمر شيء، فاسأل ربك. ثم عرج جبريل عليه السلام؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة، فأنزل الله تعالى: { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } "
أي فلنلحقك إلى قبلة تحبها وتهواها، { فول وجهك شطر المسجد الحرام } أي نحوه وقصده. وهو نصب على الظرف. وقيل: شطر الشيء نصفه، فكأن الله أمره أن يحول وجهه إلى نصف المسجد الحرام؛ والكعبة في النصف منه من كل جهة.
قوله تعالى: { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره }؛ أي أينما كنتم من بر أو بحر أو جبل أو سهل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم نحوه. فحولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين.
وقال مجاهد: (نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من الظهر، فتحول في الصلاة فاستقبل الميزاب فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين. فلما حولت القبلة إلى الكعبة؛ قالت اليهود: يا محمد ما أمرت بهذا وما هو إلا شيء تبتدعه من نفسك، فتارة تصلي إلى بيت المقدس، وتارة تصلي إلى الكعبة، فلو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي كنا ننتظره، فأنزل الله تعالى قوله: { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } ، يعني أمر الكعبة وأنها قبلة إبراهيم، أي وأن اليهود والنصارى ليعلمون أن استقبال الكعبة حق من ربهم؛ لأن نعت النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة أن يكون صاحب القبلتين، ثم هددهم عز وجل: { وما الله بغافل عما يعملون }؛ أي لا يخفى عليه جحودهم.
[2.145]
قوله تعالى: { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك }؛ يعني يهود المدينة ونصارى نجران، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بآية كما أتى الأنبياء قبلك، فأنزل الله هذه الآية. وقوله { ما تبعوا قبلتك } يعني الكعبة، وقوله: { ومآ أنت بتابع قبلتهم }؛ أي وما أنت بمصل إلى قبلتهم بعد التحويل؛ { وما بعضهم بتابع قبلة بعض }؛ لأن اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى تستقبل المشرق.
قوله تعالى: { ولئن اتبعت أهواءهم }؛ أي إن صليت إلى قبلتهم واتبعت ملتهم، { من بعد ما جآءك من العلم }؛ إنها حق وإنها قبلة إبراهيم، { إنك إذا لمن الظالمين }؛ أي الجاحدين الضارين لأنفسهم، وهذا وعيد على معصية علم الله أنها لا تقع منه كقوله:
لئن أشركت ليحبطن عملك
Shafi da ba'a sani ba