159

Tafsir Ibn Kathir

تفسير ابن كثير

Editsa

سامي بن محمد السلامة

Mai Buga Littafi

دار طيبة للنشر والتوزيع

Bugun

الثانية

Shekarar Bugawa

1420 AH

Nau'ikan

Tafsiri
ثُمَّ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ (١) مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠]، أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٢) وَهَكَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " ثُمَّ بَيَّنَ تَفْصِيلَ هَذِهِ الْقِسْمَةِ فِي قِرَاءَةِ الفاتحة فَدَلَّ عَلَى عِظَمِ (٣) الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ أَرْكَانِهَا، إِذْ أُطْلِقَتِ الْعِبَادَةُ وَأُرِيدَ بِهَا (٤) جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْهَا وَهُوَ الْقِرَاءَةُ؛ كَمَا أَطْلَقَ لَفْظَ الْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٧٨]، وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْفَجْرِ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ أَنَّهُ يَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ، فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ اتِّفَاقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ نَذْكُرُهَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، أَمْ تُجْزِئُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، بَلْ مَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ٢٠]، وَبِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ (٥) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: " إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ " (٦) قَالُوا: فَأَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْفَاتِحَةَ وَلَا غَيْرَهَا، فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُمْ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ؛ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، حَيْثُ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاج " وَالْخِدَاجُ هُوَ: النَّاقِصُ كَمَا فسَّر بِهِ فِي الْحَدِيثِ: " غَيْرُ تَمَامٍ ". وَاحْتَجُّوا -أَيْضًا-بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " (٧) . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (٨) وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَوَجْهُ الْمُنَاظَرَةِ هَاهُنَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَأْخَذِهِمْ فِي ذَلِكَ، ﵏.
ثُمَّ إِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي مُعْظَمِ الرَّكَعَاتِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّمَا تجب قراءتها في ركعة واحدة من

(١) في جـ، ط، ب، أ، و: "مما يختص بحكم الفاتحة".
(٢) صحيح البخاري برقم (٧٤٩٠) وصحيح مسلم برقم (٤٤٦) .
(٣) في جـ، ط، ب: "عظمة".
(٤) في جـ، ط، ب: "به".
(٥) في جـ، ط: "المسيء في صلاته".
(٦) صحيح البخاري برقم (٧٩٣) وصحيح مسلم برقم (٣٩٧) .
(٧) صحيح البخاري برقم (٧٥٦) وصحيح مسلم برقم (٣٩٤) .
(٨) صحيح ابن خزيمة برقم (٤٩٠) وصحيح ابن حبان برقم (٤٥٩) "موارد".

1 / 108