196

Bayanin Farin Ciki a Matsayin Ibadah

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

Nau'ikan

{ ربنآ إننآ سمعنا مناديا } من وجودنا هو العقل الذى يدعونا الى التسليم والانقياد ومناديا من خارج وجودنا هو نبى عصرنا وخليفته { ينادي } عبادك { للإيمان } لاجل الايمان او الى الايمان { أن آمنوا بربكم } { ف } أجبناه و { آمنا } بك والتجأنا اليك وحصلنا مادة الغفران التى هى الايمان { ربنا فاغفر لنا ذنوبنا } واستر علينا وعلى غيرنا آثامنا التى لها تبعات ومشاهدتها وتذكرتها تستتبع عقوبة والما { وكفر } اى ازل { عنا سيئاتنا } جمع السيئة من ساء بمعنى قبح والفرق بين الذنب والسيئة بالشدة والضعف فان الذنب هو السيئة التى هى بنفسها توذى الانسانية ولها تبعة وعقوبة هى ايضا تؤذى والسيئة هى الذنب الذى هو بنفسه يؤذى الانسانية من دون تبعة له ولذلك نسب الغفران الى الذنوب والتكفير الذى هو بمعنى الازالة الى السيئات، ويستعمل كل فى كل { و } بعد غفران ذنوبنا وتكفير سيئاتنا { توفنا } اى خذ بجميع فعلياتنا { مع الأبرار } ظرف مستقر حال عن المفعول او ظرف لغو متعلق بتوفنا، و { الابرار } جمع البر بمعنى المحسن الى الخلق مقابل المسيء اليهم، او بمعنى المحسن فى حاله وهو المراد هاهنا كما سيأتى الاشارة اليه، ثم التجأوا اليه بعد ما سألوه التوفى والافناء التام ونادوه متضرعين اليه وسألوه البقاء التام بعد الفناء وقالوا: { ربنا وآتنا ما وعدتنا }.

[3.194]

{ ربنا وآتنا ما وعدتنا } من الاستخلاف فى الارض والبقاء بخلافتك والتمكين فى الدين وتبديل الخوف بالامن كما قلت:

وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا

[النور:55] قالا ولا حالا ولا شهودا { بي شيئا } { على رسلك } هذه الكلمة مجملة محتاجة الى تقدير مضاف فهو اما متعلق بوعدتنا فالتقدير آتنا ما وعدتنا على السنة رسلك او متعلق بآتنا فالتقدير آتنا ما وعدتنا على طريقة رسلك، اى طريقة اعطاء رسلك من كمال البقاء فى الكثرات بحيث لا تهمل شيئا من حقوق الكثرات ومن لحاظ التوحيد بحيث لا يشغلنا شأن التوحيد عن شأن التكثير ولا شأن التكثير عن شأن التوحيد، وانما سألوه ما وعده تعالى والحال أنه لا خلف لوعده خوفا من تقصيرهم فيما يعدهم لوعده فالسؤال لجبران التقصير فى الاعداد لا لمحض التعبد كما قاله مفسروا العامة { ولا تخزنا يوم القيامة } لا تفضحنا ببقاء نقيصة حتى يظهر تلك النقيصة فنفتضح بها { إنك لا تخلف الميعاد } استئناف فى مقام التعليل، او جواب للسؤال عن حاله تعالى مع العباد.

اعلم ان الانسان ما لم يصر بذاته وافعاله ذا لب بتلقيح التوبة والبيعة الخاصة الولاية وقبول الدعوة الباطنة بقبول الولاية، كان كاللوز والجوز والفستق الخاليات من اللب ولا اعتداد به ولا قرب له عند الله ولو أجهد نفسه فى عبادة الله بقيام الليل وصيام النهار طول عمره لأكبه الله فى النار، واذا صار ذا لب بقبول الولاية وقبول الدعوة الباطنة صار متذكرا لله على كل حال ومتفكرا فى خلق نفسه وفى الفانيات من الارض والارضى والسماء والسماوى فينظر فيكون نظره عبرة، ويتكلم فيكون كلامه حكمة، ويسكت فيكون سكوته فكرة بقدر مرتبته فى الايمان، فينظر الى آلام الدنيا مثلا ويعتبر وينتقل الى آلام الآخرة وشدتها فيستعيذ منها ويتوب الى الله مما يجرها بحسب حاله وان كان لا يقول بلسانه، ثم ينظر الى لبه ولطيفة ايمانه التى هى نازلة ولى امره فيستظهر بها ويستغفر لذنوبه التى هى حاصلة له من نسبة الصفات الى نفسه ويسأله تكفير سيئاته التى هى حاصلة له من نسبة الصفات الى نفسه، ثم يسأله ان يتوفاه ويأخذ جميع فعلياته بحيث لا يبقى له نسبة فعلية الى ذاته ولا نسبة ذاته الى ذاته حتى يحصل له الفناء التام عن افعاله وصفاته وذاته، ثم يساله بلسان غير منسوب اليه البقاء بعد الفناء على نحو بقاء الرسل بحفظ الوحدة فى الكثرة وهذه آخرة مراتب السالك وهى الربوبية بعد العبودية، كل ذلك بلسان حاله سواء كان قرينا بلسان القال او لم يكن وسواء كان باستشعاره ام بغير استشعاره، فالآية مشيرة الى مراتب السير لان قوله تعالى: { الذين يذكرون الله } الى قوله { فآمنا } اشارة الى السير من الخلق الى الحق، وقوله { فاغفر لنا ذنوبنا } الى قوله { وتوفنا مع الابرار } اشارة الى السير من الحق الى الحق بمراتبه من توحيد الافعال والصفات والذات والى السير فى الحق، وقوله: { آتنا ما وعدتنا } الى قوله { لا تخلف الميعاد } اشارة الى السير بالحق فى الخلق، ولكون الآية اشارة الى مراتب الانسان فى الكمال كرر النداء وكرر ربنا بحسب المراتب وتفاوت ظهور الرب وتفاوت حال السالك وكان المنادى والمنادى فى كل مرتبة غير المنادى والمنادى فى المرتبة السابقة ولذلك ورد عن النبى (ص)

" ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل ما فيها "

، وروى: من حزنه امر فقال خمس مرات: ربنا؛ أنجاه الله مما يخاف.

[3.195]

{ فاستجاب لهم ربهم أني } اى بانى { لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } فاعطيكم من الوقاية والمغفرة والتكفير والتوفية والايتاء بقدر استعدادكم بأعمالكم { بعضكم من بعض } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ان كان لا يضيع الله عمل عامل فما بال الرجال يذكرون فى الدنيا بالمدائح مثل الهجرة وغيرها دون النساء؟ - فقال: { بعضكم من بعض } فمديحة الرجال مديحة للنساء ايضا او جواب لسؤال مذكور على ما روى ان ام سلمة قالت: يا رسول الله (ص) ما بال الرجال يذكرون فى الهجر دون النساء؟ - ومعنى كون { بعضهم من بعض } ان بعضهم ناشئ من بعض بالتوالد، الرجال ناشؤون من النساء، والنساء من الرجال، او بعضهم من سنخ بعض، او من مادة بعض، فلفظة (من ) ابتدائية او تبعيضية، ولم يكتف تعالى شأنه بالجواب الاجمالى واتى بالتفصيل فى الاجابة بطريق عطف التفصيل على الاجمال فقال: { فالذين هاجروا } من الاوطان الصورية المانعة من اقامة العبادة واظهار الدين الى مدينة الرسول (ص) طلبا للدين او للتمكن من اظهار الدين والعبادة، او الى بلد اى بلد كان يطلب فيه الدين، او يتمكن فيه من اظهار الدين، او اقامة مراسمه، او هاجروا من دار الشرك الباطنى التى هى النفس الامارة ثم اللوامة لان المهاجر الحقيقى من هجر السيئات التى اصلها النفس الامارة { وأخرجوا } الواو بمعنى او، او هو عطف فى معنى التعليل { من ديارهم } الصورية والمعنوية وهو متنازع فيه لهاجروا واخرجوا { وأوذوا في سبيلي } اى سبيل المدينة او سبيل الرسول (ص)، او سبيل تحصيل الدين، واضافه الى نفسه تشريفا له، او المراد من السبيل نفس الدين او الرسول (ص) او طريق القلب والولاية فانها سبيل الله حقيقة { وقاتلوا } بالجهاد الصورى او بالجهاد المعنوى { وقتلوا } من حياتهم الحيوانية باسياف الاعداء الظاهرة او من انانياتهم { لأكفرن عنهم سيئاتهم } لازيلن عنهم انانياتهم ولوازم انانياتهم من السيئات القالبية { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } اى من تحت اشجارها او عماراتها او قطعها.

Shafi da ba'a sani ba