Tafsirin Bahr Muhit
البحر المحيط في التفسير
Editsa
صدقي محمد جميل
Mai Buga Littafi
دار الفكر
Bugun
١٤٢٠ هـ
Inda aka buga
بيروت
الْمَحْدُودَةِ بِاعْتِبَارِ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي. وَالْبَاءُ فِي بِمُؤْمِنِينَ زَائِدَةٌ وَالْمَوْضِعُ نَصْبٌ لِأَنَّ مَا حِجَازِيَّةٌ وَأَكْثَرُ لِسَانِ الْحِجَازِ جَرُّ الْخَبَرِ بِالْبَاءِ، وَجَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَجَاءَ النَّصْبُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: مَا هَذَا بَشَرًا «١» وما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ. وَأَمَّا فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ مِنْهُ أَيْضًا إِلَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَأَنَا النَّذِيرُ بِحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ ... تَصِلُ الْجُيُوشُ إِلَيْكُمُ أَقْوَادَهَا
أَبْنَاؤُهَا متكفون أَبَاهُمُ ... حَنِقُوا الصُّدُورِ وَمَا هُمُ أَوْلَادُهَا
وَلَا تَخْتَصُّ زِيَادَةُ الْبَاءِ بِاللُّغَةِ الْحِجَازِيَّةِ، بَلْ تُزَادُ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: بِمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْحِجَازِ، لِأَنَّهُ حِينَ حُذِفَتِ الْبَاءُ مِنَ الْخَبَرِ ظَهَرَ النَّصْبُ فِيهِ، وَلَهَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ فِي بَابٍ مَعْقُودٍ فِي النَّحْوِ. وَإِنَّمَا زِيدَتِ الْبَاءُ فِي الْخَبَرِ لِلتَّأْكِيدِ، وَلِأَجْلِ التَّأْكِيدِ فِي مُبَالَغَةِ نَفْيِ إِيمَانِهِمْ، جَاءَتِ الْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ اسْمِيَّةً مُصَدَّرَةً بهم، وَتَسَلُّطُ النَّفْيِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي لَيْسَ مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ لِيَشْمَلَ النَّفْيُ جَمِيعَ الْأَزْمَانِ، إِذْ لَوْ جَاءَ اللَّفْظُ مُنْسَحِبًا عَلَى اللَّفْظِ الْمَحْكِيِّ الَّذِي هُوَ: آمَنَّا، لَكَانَ: وَمَا آمَنُوا، فَكَانَ يَكُونُ نَفْيًا لِلْإِيمَانِ الْمَاضِي، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَلَبِّسِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِيمَانِ فِي وَقْتٍ مَا مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَقْيِيدِ الْإِيمَانِ الْمَنْفِيِّ، أَيْ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَمْ يَرُدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ: آمَنَّا، إِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقَ الْقَوْلِ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى الْكَرَّامِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقَدْ بِالْقَلْبِ. وَهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ عَائِدٌ عَلَى مَعْنَى مَنْ، إذ أَعَادَ أَوَّلًا عَلَى اللَّفْظِ فَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي يَقُولُ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَى الْمَعْنَى فَجَمَعَ. وَهَكَذَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ اللفظ والمعنى بدىء بِاللَّفْظِ ثُمَّ أُتْبِعَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى. قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا «٢»، وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ «٣» الْآيَةَ، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا «٤» .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الكريم بن علي بن عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْأَصْلَ الْمِصْرِيُّ الْمَوْلِدَ وَالْمَنْشَأَ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بِنْتِ الْعِرَاقِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ جَاءَ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ فِي الْقُرْآنِ بدىء فِيهِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى أَوَّلًا ثُمَّ أُتْبِعَ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى
(١) سورة يوسف: ١٢/ ٣١.
(٢) سورة التوبة: ٩/ ٤٩.
(٣) سورة التوبة: ٩/ ٧٥.
(٤) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٣١.
1 / 90