Tafsir and the Exegetes
التفسير والمفسرون
Mai Buga Littafi
مكتبة وهبة
Inda aka buga
القاهرة
Nau'ikan
ومثلًا عند تفسيره لقوله تعالى فى أول سورة البقرة أيضًا: ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ نراه يتعرض للخلاف الذى بين أهل السُّنَّة والمعتزلة فيما يُطلق عليه اسم الرزق، ويذكر وجهة نظر كل فريق، مع ترجيحه لمذهب أهل السُّنَّة.
والبيضاوى ﵀ مُقِّلٌ جدًا من ذكر الروايات الإسرائيلية، وهو يُصْدِّر الرواية بقوله: رُوِى، أو قِيل ... إشعارًا منه بضعفها.
فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٢٢] من سورة النمل: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ يقول بعد فراغه من تفسيرها: رُوى أنه ﵇ لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج.. إلى آخر القصة التى يقف البيضاوى بعد روايتها موقف المجوِّز لها. غير القاطع بصحتها، حيث يقول ما نصه: "ولعله فى عجائب قدرة الله وما خصّ به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك، يستكبرها مَن يعرفها، ويستنكرها مَن ينكرها".
ثم إن البيضاوى إذا عرض للآيات الكونية، فإنه لا يتركها بدون أن يخوض فى مباحث الكون والطبيعة، ولعل هذه الظاهرة سرت إليه من طريق التفسير الكبير للفخر الرازى، الذى استمد منه كما قلنا. فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٠] من سورة الصافات: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ نراه يعرض لحقيقة الشهاب فيقول: الشهاب ما يُرى كأن كوكبًا انقض، ثم يرد على مَن يخالف ذلك فيقول: وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين - إن صَحَّ - لم يُناف ذلك".. إلى آخر كلامه فى هذا الموضوع.
هذا وأرى أن أسوق لك بعض العبارات الشارحة لمنهج البيضاوى فى تفسيره، والمبيِّنة لمصادره التى رجع إليها واختصره منها، كشاهد على بعض ما ذكرناه من ناحية، وتتميمًا للفائدة من ناحية أخرى.
قال البيضاوى نفسه فى مقدمة تفسيره هذا بعد الديباجة ما نصه: "ولطالما أحدِّث نفسى بأن أصنِّف فى هذا الفن - يعنى التفسير - كتابًا يحتوى على صفوة ما بلغنى من عظماء الصحابة، وعلماء التابعين ومَن دونهم من السَلَف الصالحين، وينطوى على نِكات بارعة، ولطائف رائعة، استنبطتها أنا ومَن قبلى مِن أفاضل المتأخرين، وأماثل المحققين، ويعرب عن وجوه القراءات المشهورة المَعْزِّية إلى الأئمة الثمانية المشهورين، والشواذ المروية عن القرَّاء المعتبرين، إلاَّ أن قصور بضاعتى يُثبطنى عن الإقدام، ويمنعنى عن الانتصاب فى هذا المقام، حتى سنح لى بعد الاستخارة ما صمم به عزمى على
1 / 213