وقوله تعالى: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ﴾ قال المُفَسِّر ﵀: [لا تَهتَمَّ بكُفْرهم] وظاهِر كلامه: أنَّ الحُزْن هنا بمَعنَى الاهتِمام بالشيء، يَعنِي: لا يُهِمَّنَّك أَمرُهم، ولكن الحزن أَخَصُّ من الاهتِمام، فإبقاء الآية على ظاهِرها وهو أن الرسول ﵊ يَحزَن إذا كفَر الناس، وكذلك مَن كان ناصِحًا للَّه تعالى ولرسوله ﷺ يَحزَن إذا كفَر الناس؛ أَقول: إن حَمْلها على ظاهِرها أَوْلى.
وفِعْلًا فإن الإنسان الناصِح يَحزَن إذا كفَر الناس، يَحزَن لأَمْرين:
أوَّلًا: رحمةً بهؤلاء الذين كفَروا.
وثانيًا: حُزْنًا على ما فات الإسلامَ من كثرة المُتَّبِعين، لأن كَثْرة مُتَّبِعي الإسلام عِزٌّ للإسلام.
والدليل آيتان تَدُلَّان على أن الكَثرة عِزَّة: قال شُعَيْبٌ ﵊ لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٦]، وقال تعالى مُمتَنًّا على بني إسرائيلَ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء: ٦].
فالكثرةُ عِزٌّ في الدليل الشَّرْعيِّ والواقِعيِّ.
أمَّا أعداء المُسلِمين الآنَ فيُحبِّذون المُسلِمين أن يُقلِّلوا النَّسْل، فتارةً يَقولون: إذا كثَّرْتمُ النَّسْل ضاق الرِّزْق، كقَوْل الكُفَّار الذين يَقتُلون أولادَهم خَشْية الإملاق، وتارة يَقولون: إذا كثُرَ الأولاد عجَزْتم عن تَرْبيتهم، إساءةَ ظَنٍّ باللَّه ﷿، وتارة يَقولون: إذا كبُر السِّنُّ ضعُفَتِ المرأةُ، ولحَقها الضَّعْفُ. وهكذا؛ وهذا لا بُدَّ منه، فلا بُدَّ أن تَضعُف المرأة، كما قال تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤].
والحاصِلُ: أنَّ كثرة الأُمَم عِزٌّ لها.