الآيَات وغير الآيَات ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ قَالَ المُفَسِّر ﵀: [بَيِّنٌ ظاهِرٌ]، فـ (مُبين) هنا عَلَى تفسيرِ المُفَسِّر مِن (أبانَ) اللازِم.
قوله: ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ السِّحْرُ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ: كُلّ شَيْء صارَ خَفِيَّ السَّبَب، فما خَفِيَ سببُه ولَطُفَ يُسَمَّى سحرًا. ولهَذَا ذكرَ ابنُ كَثيرٍ أقسامَ السِّحر فِي تفسيرِهِ (^١)، وذكر من جُملةِ السحرِ الساعاتِ الَّتِي تَطَوَّرَتْ إِلَى ما نراهُ الآنَ؛ لِأَنَّهَا فِي الحقيقةِ خَفِيَّة السَّبَب، فالْآنَ هذه الساعاتُ ما الَّذِي يحرِّك عَقارِبَهَا، أو أبلغ من هَذَا الساعات الإلكترونيَّة ما الَّذِي يجعل هَذَا المِسمارَ إذا غَمَزْتَه تحوَّل التاريخ إِلَى توقيتٍ آخرَ، أو أظهرَ لك تاريخ الشهر أو اليوم، فلو جاءت فِي غيرِ هَذَا الوقتِ لَتَعَجَّبَ النَّاسُ منها.
وهَذَا يُسمَّى سِحرًا لغةً، لكِنْ شرعًا لَيْسَ بِسِحْرٍ، لِأَنَّ السحرَ شَرْعًا هُوَ عبارةٌ عن عُقَدٍ وعَزَائِمَ ورُقى تُؤثِّر فِي بَدَنِ المسحورِ أو عَقْلِهِ، ربما تُمْرِضُه وربما تُهْلِكه وربما تَخْبُلُهُ، فهَذَا هُوَ السحرُ.
فَلَوْ قَالَ قَائِل: قولُ فِرعونَ وقومه: ﴿هَذَا سِحْرٌ﴾، ماذا يَقصِدون بهَذَا؛ السحرُ الحقيقيُّ الشَّرْعِيُّ أو السحرُ اللُّغَوِيُّ؟
قُلْنَا: المقصود الحقيقيُّ الشرعيُّ، لِأَنَّهُم قالوا له: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٢]، والعياذ بالله، فهم قَالُوا: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾، وهَذَا الجواب لَيْسَ صادرًا من فِرعونَ فقطْ، بل جميع المكذِّبين للرسُلِ قالوا هَذَا، قَالَ الله تَعَالَى فِي سورة الذارياتِ: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: ٥٢]، فكُلّ الرُّسُلِ السابقينَ يَقُول لهم أقوامُهم هَكَذَا،