والرَّسُول ﷺ لما ذكر هَذِهِ الأَشْيَاء فلَيْسَ معناه أن هَذِهِ حتمًا هِيَ الَّتِي تَنْفَع، بل قد يقوم مَقامها ما هُوَ أَولى منها، ونَهْيُ النَّبِيّ ﷺ عن الكَيِّ لَيْسَ للتحريمِ (^١)، والنَّبِيّ ﷺ نَفْسُه فَعَلَ وكَوَى سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ ﵁ (^٢).
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: فِيهِ مَبْدَأ العَصَابات، ولا يزالُ مَوْجودًا إِلَى الآنَ، فإن هَؤُلَاءِ ﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ وما زالَ الأَمْر إِلَى يومنا هَذَا وإلى ما بَعْد واللهُ أَعْلَمُ وَأَنَّهُ سَيَبْقَى؛ لِأَنَّ أهل الشَّرّ لهم طُرُق يَتَفَنَّنُون بها فِي فرضِ شَرِّهِم عَلَى غيرهم.
الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يمكن أنْ يَجْتَمِعَ الفساد والصلاح، يعني أن الفساد والصلاح قد يجتمعانِ فِي شخصٍ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿يُفْسِدُونَ﴾ ﴿وَلَا يُصْلِحُونَ﴾، ولولا أَنَّهُ يمكن اجْتِمَاعُهما لم يكنْ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ فائدة؛ لِأَنَّهُ يَكُون عدم الصلاح مفهومًا من إثباتِ الفسادِ، لو لم يُمْكِنِ اجْتِمَاعُهما.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الكفر والإِيمان قد يجتمعانِ فِي شخصٍ؛ لِأَنَّ الإِيمان صلاحٌ والكفرَ فسادٌ، وكذلك أيضًا الفُسُوق والطاعة يمكن أن يَجْتَمِعَا، وخالف فِي ذلك طوائفُ منَ النَّاسِ: المُعْتَزِلَة والخوارِجُ والمُرْجِئَة، فالمرجئة قَالُوا: لا يمكن، فالْإِنْسَان إذا كَانَ مؤمنًا كُلّ أحوالِهِ صالحةٌ ولا يُعَذَّب بذنبٍ ولا يُلام عليه، والخوارج والمُعْتَزِلَة
(^١) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، حديث رقم (٥٣٥٦)، عن ابن عباس ﵄.
(^٢) رواه مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي، حديث رقم (٢٢٠٨)، عن جابر بن عبد الله ﵄.