Tafsir Al-Shaarawi

Al Sharawi d. 1418 AH
69

Tafsir Al-Shaarawi

تفسير الشعراوي

Nau'ikan

[القصص: 8]. وهكذا بينت لنا الآية الكريمة كيف أن العداوة بين فرعون وموسى ستسقر حتى يقضى على فرعون. لأنه إذا كان إنسان عدوا لك، وأنت تقابل العداوة بالإحسان، تخمد العداوة بعد قليل. إذن: هذه الآيات ليست تكرارا ولكنها آيات تكمل القصة، وتعطينا الصورة الكاملة المتكاملة. ولكن لماذا لم تأت قصة موسى متكاملة كقصة يوسف؟ لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يثبت بها نبينا عليه الصلاة والسلام والمؤمنين، فتأتي هنا لقطة وهنا لقطة لتؤدي ما هو مطلوب من التثبيت بما لا يخل.. لأن الآيات تعطينا القصة متكاملة. وهكذا قصة آدم، جاءت لنا في آيات متعددة، لتعطينا في مجموعها قصة كاملة. وفي الوقت نفسه كل آية لها حكمة يحتاجها التوقيت الذي نزلت فيه، فالله سبحانه وتعالى يروي لنا بداية الخلق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ".

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعرفنا كيف بدأ الخلق، وقصة عداوة إبليس لآدم وذريته.. فتكلم الله سبحانه وتعالى عن أول البشر. عرفنا اسمه، وهو آدم عليه السلام. وتكلم عن المادة التي خلق منها. وتكلم عن المنهج الذي وضعه لآدم، وحدثنا عن النقاش الذي دار مع الملائكة. كما أخبرنا بأن آدم سيكون خليفة في الأرض، وأنه علمه الأسماء كلها ليقود حركة حياته، وعلمنا منطق علم الأشياء، وعلم مسمياتها، وحدثنا عن الحوار الذي حدث بين إبليس أمام ربه حينما أبى السجود، وبين لنا حجة إبليس في الامتناع عن السجود، وخطة إبليس ومدخله إلى قلوب المؤمنين بالإغواء والوسوسة وغير ذلك.

إذن: فهناك أشياء كثيرة تتعرض لها قصة آدم، ولو أن بشرا يريد أن يؤرخ لآدم ما استطاع أن يأتي بكل هذه اللقطات، ولكن الحق سبحانه وتعالى جعل كل لقطة تأتي للتثبيت. والآية الكريمة التي نحن بصددها لم تأت في " سورة الأعراف " ولا في " الحجر " ولا في " الإسراء " ولا في " الكهف " ولا في " طه ". وبهذا نعرف أنه ليس هناك تكرار.. فالله سبحانه وتعالى أخبر ملائكته بأنه جاعل في الأرض خليفة. هنا لابد لنا من وقفة. أخلق آدم كفرد أم خلقه الله وكل ذريته مطمورة فيه إلى يوم القيامة، إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول:

ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم

[الأعراف: 11]. الخطاب هنا للجميع لآدم وذريته، فكأنه سبحانه وتعالى يشير إلى أن الأصل الأول للخلق آدم، وهو مطمور فيه صفات المخلوقين من ذريته إلى أن تقوم الساعة وراثة، أي: أنه ساعة خلق آدم.. كان فيه الذرات التي سيأخذ منها الخلق كله. هذا عن هذا.. حتى قيام الساعة. ولقد قلت: إن كل واحد منا فيه ذرة أو جزئ من آدم، فأولاد آدم أخذوا منه والجيل الذي بعدهم أخذ من الميكروب الحي الذي أودعه آدم في أولاده، والذين بعدهم أخذوا أيضا من الجزيء الحي الذي خلق في الأصل مع آدم، وكذلك الذين بعدهم والذين بعدهم. والحياة لابد أن تكون حلقة متصلة، كل منا يأخذ من الذي قبله ويعطي الذي بعده. ولو كان هناك حلقة مفقودة لتوقفت الحياة، كأن يموت الرجل قبل أن يتزوج، فلا تكون له ذرية من بعده. وتتوقف حلقة الحياة. فكون حلقة الحياة مستمرة دليل أنها حياة متصلة لم تتوقف. وما دامت الحياة من عهد آدم إلى يومنا هذا متصلة، فلابد أن يكون في كل منا ذرة من آدم الذي هو بداية الحياة وأصلها. وانتقلت بعده الحياة في حلقات متصلة إلى يومنا هذا وستظل إلى يوم القيامة. فأنا الآن حي لأنني نشأت من ميكروب حي من أبي، وأبي أخذ حياته من ميكروب حي من أبيه، وهكذا حتى تصل إلى آدم، إذن: فأنت مخلوق من جزيء حي فيه الحياة لم تتوقف منذ آدم إلى يومنا هذا، ولو توقفت لما كان لك وجود. إذن: فحياة الذين يعيشون الآن موصولة بآدم.. لم يطرأ عليها موت والذين سيعيشون وقت قيام الساعة حياتهم أيضا موصولة بآدم أول الخلق. والحق سبحانه وتعالى حين أمر الملائكة بالسجود لآدم فإنهم سجدوا لآدم ولذريته إلى أن تقوم الساعة، وذرية آدم كانت مطمورة في ظهره، وشهدت الخلق الأول.

إذن: فقول الحق سبحانه وتعالى:

لقد خلقناكم ثم صورناكم..

[الأعراف: 11]. فيه جزئية جديدة لقصة الخلق. وقوله تعالى: { وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } [البقرة: 30]. أي أن الله سبحانه وتعالى يطلب من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول أنه عند خلق آدم خلقه خليفة في الأرض، والكلام هنا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يستشير أحدا في الخلق، بدليل أنه قال " إني جاعل " إذن: فهو أمر مفروغ منه، ولكنه إعلام للملائكة.. والله سبحانه وتعالى، عندما يحدث الملائكة عن ذلك فلأن لهم مع آدم مهمة، فهناك المدبرات أمرا، والحفظة الكرام، وغيرهم من الملائكة الذين سيكلفهم الحق سبحانه وتعالى بمهام متعددة تتصل بحياة هذا المخلوق الجديد. فكان الإعلام. لأن للملائكة عملا مع هذا الخليفة. قد يقول بعض الناس: إن حياة الإنسان على الأرض تخضع لقوانين ونواميس. نقول: ما يدريك أن وراء كل ناموس ملكا؟ ولكن هذا الخليفة سيخلف من؟ قد يخلف بعضه بعضا. في هذه الحالة يكون هنا إعلام من الله بأن كل إنسان سيموت ويخلفه غيره، فلو كانوا جميعا سيعيشون ما خلف بعضهم بعضا، وقد يكون الإنسان خليفة لجنس آخر، ولكن الله سبحانه وتعالى نفى أن يخلف الإنسان جنسا آخر. واقرأ قوله جل جلاله:

... إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز

Shafi da ba'a sani ba