Tafsir Al-Shaarawi

Al Sharawi d. 1418 AH
53

Tafsir Al-Shaarawi

تفسير الشعراوي

Nau'ikan

[القمر: 24]. وقوله تعالى:

وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا

[الإسراء: 94]. وقوله تعالى:

ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون

[المؤمنون: 34]. إذن، فبشرية الرسول اتخذت حجة للذين لا يريدون أن يؤمنوا، والرسول مبلغ عن الله. ولابد أن يكون من جنس القوم الذين أرسل إليهم، ولابد أن يكون قد عاش بينهم فترة قبل الرسالة واشتهر بالأمانة والصدق حتى لا يكذبوه. وفي الوقت نفسه هو قدوة. ولذلك لابد أن يكون من جنس قومه، لأنه سيطبق المنهج علميا أمامهم، ولو كان من جنس آخر لقالوا: لا نطيق ما كلفتنا به يا رب لأن هذا الرسول مخلوق من غير مادتنا، ومقهور على الطاعة. إذن: فبشرية الرسول حتمية. وكل من يحاول أن يعطي الرسول صفة غير البشرية، إنما يحاول أن ينقص من كمالات رسالات الله، والله سبحانه وتعالى ليس عاجزا، عن أن يحول البشر إلى ملائكة، واقرأ قوله تعالى:

ولو نشآء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون

[الزخرف: 60]. إذن: فبشرية الرسول هي من تمام الرسالة. ثم يأتي التحدي من الله سبحانه وتعالى { فأتوا بسورة من مثله } والمطلوب أن يأتي العرب بسورة من مثل ما جاء به القرآن الكريم. الشهود الذين يطلب الله دعوتهم هم شهود ضعفاء، شهود من البشر وليست شهادة من الله بالغيب. والله سبحانه وتعالى وضع في هذه الآية معظم الشكوك لنفحصها، ولنصل فيما بعد ذلك إلى جوهر الإعجاز القرآني. والحق سبحانه وتعالى تدرج في التحدي مع الكافرين. فطلب منهم أن يأتوا بمثل القرآن، ثم طلب عشر سور من مثله، ثم تدرج في التحدي فطلب سورة واحدة، والنزول في التحدي - من القرآن كله إلى عشر سور إلى سورة واحدة - دليل ضد من تحداهم. فلا يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن، فيقول: إذن فأتوا بعشر سور، فلا يستطيعون ويصبح موقفهم مدعاة للسخرية، فيقول: فأتوا بسورة، وهذا منتهى الاستهانة بالذين تحداهم الله سبحانه وتعالى، وإثبات لأنهم لا يقدرون على شيء. وكلمة " بمثل " معناها أن الحق سبحانه وتعالى يطلب المثيل ولا يطلب نص القرآن، وهذا إمعان وزيادة في إظهار عجز القوم الذين لا يؤمنون بالله ويشككون في القرآن. وقوله تعالى: { وادعوا شهدآءكم }. معناه: أن الله سبحانه وتعالى زيادة في التحدي يطالبهم بأن يأتوا هم بالشهداء ويعرضوا عليهم الآية ليحكم هؤلاء الشهود إذا كان ما جاءوا به مثل القرآن أم لا. أليس هذا إظهارا المنتهى القوة لله سبحانه وتعالى لأنه لم يشترط شهداء من الملائكة ولا شهداء من الذين اشتهر عنهم الصدق، وأنهم يشهدون بالحق، بل ترك الحق سبحانه لهم أن يأتوا بالشهداء، وهؤلاء الشهداء لن يستطيعوا أن يشهدوا أن كلام هؤلاء المشككين يماثل سورة من القرآن. الله سبحانه وتعالى طلب منهم أن يأتوا بأي شهداء متحيزين لهم، وأطلقها سبحانه وتعالى على كل أجناس الأرض فقال: { من دون الله إن كنتم صادقين } [البقرة: 23] ولكن إياكم أن تقولوا يشهد الله بأن ما جئنا به مثل القرآن لأنكم تكونون قد كذبتم على الله وادعيتم شيئا لم يقله سبحانه وتعالى. ولكن ما معنى قوله تعالى: { إن كنتم صادقين } [البقرة: 23] صادقين في ماذا؟ وما هو الصدق؟ الصدق يقابل الكذب ، والصدق والكذب كل منهما نسبي. كلنا يعلم أن هناك كلاما غير مفيد، فإذا قلت: محمد، وسكت فمن يسمعك سيسألك: ماذا تقصد بقولك: محمد؟ وسؤاله دليل على أنه لم يستفد شيئا، ولكنه لو سألك: من عندك؟ وأجبت: محمد. فكأنك تخبره بأن عندك محمدا، وهذه كلمة واحدة لكنك فهمتها بالمعنى الذي أخذته من كلام السائل. إذن: فلا تقل كلمة واحدة، ولكن قل كلاما مفيدا. إذن: فالكلام المفيد هو الذي يسكت السامع عليه. وكل متكلم قبل أن ينطق بالكلام يكون عنده نسبة ذهنية لما سيقول، يعبر عنها بنسبة كلامية، ولكن هناك نسبة خارجية لما يقول تمثل الواقع.

أي: أنك لو قلت: محمد مجتهد، فلابد أن يكون هناك شخص اسمه محمد. ولابد أن يكون مجتهدا فعلا لتتطابق النسبة الكلامية مع النسبة الواقعية. فإذا لم يكن هناك شخص اسمه محمد. أو كان هناك شخص اسمه محمد ولكنه ليس مجتهدا، فإن النسبة الكلامية تخالف النسبة الواقعية. والصدق أن تتطابق النسبة الكلامية والنسبة الواقعية، والكذب ألا تتطابق النسبة الكلامية مع النسبة الواقعية.. هذا المفهوم ضرورة لعرض معنى الآية الكريمة. إذن: فقوله تعالى { صادقين } [البقرة: 23] أي: أن تتطابق النسب الكلامية التي ستقولونها مع نسبة واقعية تستطيعون أن تدللوا عليها، فإن لم يحدث ذلك فأنتم كاذبون. فالله سبحانه وتعالى يريد منكم الدليل على صدقكم.

[2.24]

بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأدلة التي يستند إليها المشككون في القرآن الكريم، وهي أدلة لا تستند إلى عقل ولا إلى منطق تحداهم بأن يأتوا بسورة مثل القرآن، وأن يستعينوا بمن يريدون من دون الله، لأن القرآن كلام الله، والله سبحانه هو القائل. وبما أنهم يحاولون التشكيك في أن القرآن كلام الله، وأنه منزل من عند الله، فليستعينوا بمن يريدون ليأتوا بآية من مثله، لأن التحدي هنا لا يمكن أن يتم إلا إذا استعانوا بجميع القوى ما عدا الله سبحانه وتعالى. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بالنتيجة قبل أن يتم التحدي. لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أنهم لن يفعلوا ولن يستطيعوا . إن قوله سبحانه: { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا.. } [البقرة: 24] معناه: أنه حكم عليهم بالفشل وقت نزول القرآن وبعد نزول القرآن إلى يوم القيامة لأن الله لا يخفى عن علمه شيء، فهو بكل شيء عليم. وكلمة " لم تفعلوا " عندما تأتي قد تثير الشك. فنحن نعرف أن مجيء " إن " الشرطية يثير الشك.. لأن الأمر لكي يتحقق يتعلق بشرط. وأنت إن قلت: إن ذاكرت تنجح، ففي المسألة شك.. أما إذا قلت كقول الحق

Shafi da ba'a sani ba