208

[التوبة: 128]. الحق سبحانه يقول: { يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم } [البقرة: 151].. الآيات هي القرآن الكريم والتزكية هي التطهير ولابد أن يكون هناك دنس ليطهرهم منه.. فيطهرهم من عبادة الأصنام ومن وأد البنات والخمر والميسر والربا.. ومعنى التزكية أيضا سلب الضار فكأنه جاءهم بالنفع وسلب منهم الضر. وقوله تعالى: { ويعلمكم الكتاب والحكمة.. } [البقرة: 151].. الكتاب على إطلاقه ينصرف إلى القرآن الكريم. والحكمة هي وضع الشيء في موضعه.. والكتاب يعطيك التكليف، إما أن يأمرك بشيء وإما أن ينهاك عن شيء. إذن فهي دائرة بين الفعل والترك.. والحكمة أن تفعل الفعل الذي يحقق لك خيرا ويمنع عنك الشر. وهي مأخوذة من الحكمة أو الحديدة التي توضع في فم الجواد لتحكم حركته في السير والوقوف، وتصبح كل حركة تؤدي الغرض منها والحكمة أيضا هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى:

واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة..

[الأحزاب: 34]. وقوله سبحانه: { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } [البقرة: 151] لأنكم أمة أمية. فإن بهرتكم الدنيا بحضارتها فستبهرونهم بالإشعاعات الإيمانية التي تجعلكم متفوقين عليهم.. فكل ما يأتيكم من السماء هو فوق كل حضارات الأرض.. لذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما عمر لولا الإسلام.

[2.152]

قوله تعالى: { فاذكروني } [البقرة: 152] أي كل هذه النعم والفضل عليكم يجب ألا تنسوها.. أن تعيشوا دائما في ذكر من أنعم عليكم.. فالله سبحانه وتعالى يريد من عباده الذكر، وهم كلما ذكروه سبحانه وشكروه شكرهم وزادهم.. والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي:

" أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "

هذه هي رغبة الكريم في أن يعطي بشرط أن نكون أهلا للعطاء لأنه يريد أن يعطيك أكثر وأكثر.. فقوله تعالى: " اذكروني " أي اذكروا الله في كل شيء. في نعمه. في عطائه. في ستره. في رحمته. في توبته. يقول بعض الصالحين: سمعت فيمن سمع عن حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك إذا ما أقبلت على شرب الماء فقسمه ثلاثا.. أول جرعة قل باسم الله واشربها، ثم قل الحمد لله وابدأ شرب الجرعة الثانية وقل باسم الله وبعد الانتهاء منها قل الحمد لله.. ثم قل باسم الله واشرب الجرعة الثالثة واختمها بقولك الحمد لله. فما دام هذه الماء في جوفك فلن تحدثك ذرة من جسدك بمعصية الله. جربها يوما في نفسك وقل باسم الله واشرب، وقل الحمد لله وكررها ثلاث مرات فإنك تكون قد استقبلت النعمة بذكر المنعم وأبعدت عن نفسك حولك وقوتك، وأنهيت النعمة بحمد الله. ولكن لماذا الماء؟ لأن الماء في الجوف أشبع من أي شيء آخر. قوله تعالى: { واشكروا لي ولا تكفرون } [البقرة: 152] الشكر على النعمة يجعل الله سبحانه وتعالى يزيدك منها. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

لئن شكرتم لأزيدنكم..

[إبراهيم: 7]. وشكر الله يذهب الغرور عن نفسك فلا تفتنك الأسباب وتقول أوتيته على علم مني. { ولا تكفرون } [البقرة: 152] أي لا تستروا نعم الله بل اجعلوها دائما على ألسنتكم.. فإن كل نعمة من نعم الله لو استقبلت بقولك " ما شاء الله لا قوة إلا بالله " لا ترى في النعمة مكروها أبدا لأنك حصنت النعمة بسياج المنعم.. أعطيت لله حقه في نعمته فإن لم تفعل وتركتها كأنها منك وأنت موجدها ونسيت المنعم وهو الله سبحانه وتعالى فإن النعمة تتركك.

[2.153]

Shafi da ba'a sani ba