[البقرة: 258]. إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الإيمان هم الكافرون والفاسقون والظالمون.. الحق سبحانه وتعالى يقول: { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6] ما هو الصراط؟.. إنه الطريق الموصلة إلى الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم.. وهو أقصر الطرق إلى تحقيق الغاية.. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما. ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي إلى بعد كبير. ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد.. عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات.. أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات.. إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا.. ولذلك فإن الدعاء: { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6] أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات.. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم. لذلك فإن الإنسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه إلى أقصر الطرق للوصول إلى الغاية.. وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الآخرة.. ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا إلى الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.
ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي: إنه إذا قال العبد: { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6] يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. يقول الحق تبارك وتعالى: { صراط الذين أنعمت عليهم } [الفاتحة: 7] ما معنى { الذين أنعمت عليهم } [الفاتحة: 7]؟.. اقرأ الآية الكريمة:
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
[النساء: 69]. وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. أي أنك تطلب من الله جل جلاله.. أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة.. فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة.. لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم.. وهكذا، فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه، والذي يوصلك في أسرع وقت إلى الدرجة العالية في الآخرة. وعندما نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.. تعرف أن الاستجابة تعطيك الحياة العالية في الآخرة وتمتعك بنعيم الله. ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا.. ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى.. وإذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى.. فكيف بنعم الآخرة؟ لقد قال الله سبحانه وتعالى عنها:
لهم ما يشآءون فيها ولدينا مزيد
[ق: 35]. أي أنه ليس كل ما تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك - ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده مزيد.. ولذلك فإنه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعم.. وهذا تشبيه فقط ليقرب الله تبارك وتعالى صورة النعيم إلى أذهاننا، ولكن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وبما أن المعاني لابد أن توجد أولا في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها.. فكل شيء لا نعرفه لا توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه. فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثلا إلا بعد أن أخترع وصار له مفهوم محدد. تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها.. فالشيء يوجد أولا ثم بعد ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه. ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة وأخرى لتضع أسماء لأشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها. وما دام ذلك هو القاعدة اللغوية، فإنه لا توجد ألفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه أهل الجنة، لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب.
. ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط. ولكنه لا يعطينا حقيقة ما هو موجود. ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى حين يتحدث عن الجنة في القرآن الكريم يقول:
مثل الجنة التي وعد المتقون فيهآ أنهار من مآء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا مآء حميما فقطع أمعآءهم
[محمد: 15]. أي أن هذا ليس حقيقة الجنة ولكنها مثل فقط، يقرب ذلك إلى الأذهان.. لأنه لا توجد ألفاظ في لغات البشر يمكن أن تعطينا حقيقة ما في الجنة. وقوله تعالى: { غير المغضوب عليهم } [الفاتحة: 7].. أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الإعانة.. الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه. ومعنى غير { المغضوب عليهم } [الفاتحة: 7] أي يا رب لا تيسر لنا الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل. وقد وردت كلمة { المغضوب عليهم } [الفاتحة: 7] في القرآن الكريم في قوله تعالى:
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سوآء السبيل
Shafi da ba'a sani ba