[الأعراف: 188]. أما مسألة أن ينصره أحد.. فمن الذي يستطيع أن ينصر أحدا من الله.. واقرأ قوله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام:
ويقوم من ينصرني من الله..
[هود: 30]. يقول الحق سبحانه وتعالى: { فلا يخفف عنهم العذاب } [البقرة: 86].. أمر لم يقع بعد بل سيقع مستقبلا.. يتحدث الله سبحانه وتعالى عنه بلهجة المضارع.. نقول إن كل أحداث الكون وما سيقع منها هو عند الله تم وانتهى وقضى فيه.. لذلك نجد في القرآن الكريم قوله سبحانه:
أتى أمر الله فلا تستعجلوه..
[النحل: 1]. أتى: فعل ماض.. ولا تستعجلوه مستقبل.. كيف يقول الله سبحانه وتعالى أتى ثم يقول لا تستعجلوه؟ إنه مستقبل بالنسبة لنا.. أما بالنسبة لله تبارك وتعالى فما دام قد قال أتى.. فمعنى ذلك أنه حدث.. فلا أحد يملك أن يمنع أمرا من أمور الله من الحدوث.. فالعذاب آت لهم آت.. ولا يخفف عنهم لأن أحدا لا يملك تخفيفه.
[2.87]
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى لنا ما فعله اليهود مع نبيهم موسى عليه السلام.. أراد أن يبين لنا ما فعله بنو إسرائيل بعد نبيهم موسى.. وأراد أن يبين لنا موقفهم من رسول جاءهم منهم.. ولقد جاء لبني إسرائيل رسل كثيرون لأن مخالفاتهم للمنهج كانت كثيرة.. ولكن الآية الكريمة ذكرت عيسى عليه السلام.. لأن الديانتين الكبيرتين اللتين سبقتا الإسلام هما اليهودية والنصرانية.. ولكن لابد أن نعرف أنه قبل مجيء عيسى.. وبين رسالة موسى ورسالة عيسى عليهما السلام رسل كثيرون.. منهم داود وسليمان وزكريا ويحيى وغيرهم.. فكأنه في كل فترة كان بنو إسرائيل يبتعدون عن الدين.. ويرتكبون المخالفات وتنتشر بينهم المعصية.. فيرسل الله رسولا يعدل ميزان حركة حياتهم.. ومع ذلك يعودون مرة أخرى إلى معصيتهم وفسقهم.. فيبعث الله رسولا جديدا.. ليزيل الباطل وهوى النفس من المجتمع ويطبق شرع الله.. ولكنهم بعده يعودون مرة أخرى إلى المعصية والكفر. وقال الله سبحانه وتعالى: { ولقد آتينا موسى الكتاب } [البقرة: 87] والقائل هو الله جل جلاله.. والكتاب هو التوراة: { وقفينا من بعده بالرسل } [البقرة: 87].. والله تبارك وتعالى بين لنا موقف بني إسرائيل من موسى.. وموقفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.. ولكنه لم يبين لنا موقفهم من الرسل الذين جاءوا بعد موسى حتى عيسى ابن مريم. الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا.. إلى أنه لم يترك الأمر لبني إسرائيل بعد موسى.. أن يعملوا بالكتاب الذي أرسل معه فقط.. ولكنه أتبع ذلك بالرسل.. حين تسمع " قفينا ".. أي اتبعنا بعضهم بعضا.. كل يخلف الذي سبقه " وقفينا " مشتقة من قفا.. وقفا الشيء خلفه.. وتقول قفوت فلانا أي سرت خلفه قريبا منه. إن الحق يريد أن نلتفت إلى أن رسالة موسى لم تقف عند موسى وكتابه.. ولكنه سبحانه أرسل رسلا وأنبياء ليذكروا وينبهوا.. ولقد قلنا إن كثرة الأنبياء لبني إسرائيل ليست شهادة لهم ولكنها شهادة عليهم.. إنهم يتفاخرون أنهم أكثر الأمم أنبياء.. ويعتبرون ذلك ميزة لهم ولكنهم لم يفهموا.. فكثرة الأنبياء والرسل دلالة على كثرة فساد الأمة، لأن الرسل إنما يجيئون لتخليص البشرية من فساد وأمراض وإنقاذها من الشقاء.. وكلما كثر الرسل والأنبياء دل ذلك على أن القوم قد انحرفوا بمجرد ذهاب الرسول عنهم، ولذلك كان لابد من رسول جديد.. تماما كما يكون المريض في حالة خطرة فيكثر أطباؤه بلا فائدة.
. وليقطع الله سبحانه وتعالى عليهم الحجة يوم القيامة.. لم يترك لهم فترة من غفلة.. بل كانت الرسل تأتيهم واحدا بعد الآخر على فترات قريبة. وإذا نظرنا إلى يوشع وأشمويه وشمعون. وداود وسليمان وشعيب وأرميا. وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى.. نرى موكبا طويلا جاء بعد موسى.. حتى إنه لم تمر فترة ليس فيها نبي أو رسول.. وحتى نفرق بين النبي والرسول.. نقول النبي مرسل والرسول مرسل.. كلاهما مرسل من الله.. ولكن النبي لا يأتي بتشريع جديد.. وإنما هو مرسل على منهج الرسول الذي سبقه.. واقرأ قوله سبحانه:
ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي..
[الحج: 52]. إذن فالنبي مرسل أيضا.. ولكنه أسوة سلوكية لتطبيق منهج الرسول الذي سبقه. وهل الله سبحانه وتعالى قص علينا قصص كل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم؟ اقرأ قوله تبارك وتعالى:
Shafi da ba'a sani ba