101

Tafsir Al-Samin Al-Halabi - From Ayah 138 of Surah Al-Imran to the End of the Surah

ترجيحات السمين الحلبي - من آية ١٣٨ سورة آل عمران إلى آخر السورة

Nau'ikan

(كان) مأخوذ من قولهم: كان الرجل كذا وكذا ثم يتحول عن ذلك (^١).
وذكر بعضهم في هذه المسألة أن الكون هو الذل، ولم يبين وجهه، ولا يظهر هذا المعنى فيما يذكره أهل اللغة في مادة (كون) (^٢).
وأما (الكَين) فإنه في الأصل يدل على باطن الشيء، فيطلق على باطن العين (^٣)، ويطلق على باطن فرج المرأة (^٤)، وهو المعهود من هذا اللفظ، ونقل بعضهم قولًا بأنه يمكن حمل الاستكانة عليه بالنظر إلى ذُلِّ ذلك الموضع ومهانته (^٥)، وهذا بعيد، ولو قيل بأن الكين قد يحتمل الذل على هذا الوجه فإنه ذُلٌّ دنيءٌ في أصله ومذموم، لا يليق أن يحمل عليه الذل المحمود في قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ﴾.
وما ذكره السمين الحلبي من باب (الرجل بِكِيْنَةِ سوء) بكسر الكاف؛ أي: بحالة سوء، فإن هذا في الأصل يرجع إلى مادة (كون)، لكن قُلبت الواو ياءً لأجل كسرة الكاف (^٦)، وهو الموافق لمعنى (الكون) فإن الكِينة هي الحالة، وقد يُعبَّر عن الكون بأنه الحالة الماضية، وكذلك قولهم: أكانه يكينه؛ إذا ضعَّفه، فالذي يظهر أنه يرجع إلى ذلك، والتعبير عن معناه بالضعف والخضوع لغة غير مشهورة، "ولو كانت هذه اللغة مشهورة لكانت أحسن الوجوه" (^٧).
وبالنظر في معنى السكون يظهر أن مادته أقرب المواد إلى معنى الاستكانة، فإن الخاضع الذليل يغلب عليه السكون وترك الحركة، وقد روي عن ابن عباس في الآية: ﴿وَمَا اسْتَكَانُواْ﴾ أنه قال: "تخشَّعوا" (^٨)، والسكون ملازمٌ للخشوع، بل قد يُعبَّر عن الخشوع بأنه

(^١) وهذا الذي فهمه رواة الحديث، كما ذكره عنهم الخطابي في غريب الحديث (٢/ ١٩٤).
(^٢) ينظر في التبيان لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٠٠) وتبعه السمين الحلبي في الدر المصون (٣/ ٤٣٢)، ولم يتبين لي وجهه، والسمين الحلبي قد عبَّر عن (الكون) بـ (كان) في عمدة الحفاظ (٣/ ٤٤٠).
(^٣) ينظر في المعجم الاشتقاقي المؤصل (مادة: كين): (٤/ ٢٣٥٦).
(^٤) ينظر (مادة: كين) في العين للخليل (٥/ ٤١٢)، وجمهرة اللغة لابن دريد (٢/ ٩٨٥)، ومقاييس اللغة لابن فارس (٥/ ١٥١).
(^٥) ينظر في الخصائص لابن جني (٣/ ٣٢٧).
(^٦) ينظر في الحجة لأبي علي الفارسي (٦/ ٦٧)، ومقاييس اللغة لابن فارس (مادة: كين): (٥/ ١٥١).
(^٧) ذكره الخضر اليزدي في شرح الشافية (١/ ٥٣).
(^٨) رواه الطبري في تفسيره (٦/ ١١٩)، وابن المنذر في تفسيره (١/ ٤٢٢)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٨٢).

1 / 101