سورة البقرة [٢: ١٣٣]
﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾:
أسباب النّزول: كما روى الواحدي في أسباب النزول. قيل: نزلت هذه الآية في اليهود الّذين قالوا للنبي ﷺ: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية، فرد اللهُ عليهم بقوله بهذه الآية: أكنتم شهداء؛ أي: حضورًا لما حضر يعقوب الموت، فقال:
﴿أَمْ﴾: الهمزة: همزة استفهام إنكاري بمعنى النّفي، والتّوبيخ.
﴿شُهَدَاءَ﴾: جمع شاهد، أو شهيد، واصل الشّهادة: الرّؤية والحضور، وشاهدت شيئًا؛ أي: رأيته، وكنت حاضرًا، وقال بعضهم: الشّهادة في الأصل إدراك الشّيء من جهة سمع، أو رؤية الشّيء، والإحاطة به، والعلم بالمشهود.
والشّاهد: هو الّذي يرى الشّيء، أو الحادثة فيشهد بما رآه وسمعه إذا دُعي إلى ذلك، والشّاهد قد لا يعلم تفاصيل الحادثة وأسبابها وخفاياها.
أما الشّهيد: صيغة مبالغة والله سبحانه سمى نفسه شهيدًا، والشّهيد أكثر علمًا من الشّاهد؛ لأنّه يعلم تفاصيل الحادثة، وأسبابها، وخفاياها، ويحيط بالمسألة إحاطة كاملة.
﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾: حضر فيها معنى القدوم، أو المجيء، مع المكث والبقاء؛ أي: حضر الموت يعقوب، وكأنّه جالس وحاضر معه، ولم يمت بعد، ولم يستعمل جاء؛ لأنّ ليس فيها معنى المكث، والبقاء، ويفارق الحياة مباشرة، وفي كلمة جاء معنى الصّعوبة؛ أي: إذا جاء الموت والمشقة.
واستعمل حضر حتّى يعطي يعقوب مدَّة، وزمن؛ لكي يوصي بنيه، وقدَّم يعقوب على الموت بدلًا من القول؛ إذ حضر الموتُ يعقوب؛ أي: قدَّم المفعول على الفاعل (والأصل أن يقدَّم الفاعل على المفعول)، وهذا التقديم له غرض بياني، فكأنّ الله سبحانه لا يريد أن يفاجئ يعقوب بالموت، فقدَّم يعقوب؛ لأن يعقوب وكلّ إنسان يكره الموت، ولذلك أخر ذكر الموت؛ لكي يخفف ويراعي حالة يعقوب النّفسية.
﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ﴾: إذ: ظرف زماني بمعنى: حين قال لبنيه.
﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾: ما: الاستفهامية، وتعني: أي شيء تعبدون من بعدي، ما تعبدون، ولم يقل من تعبدون من بعدي؛ لأنّ ما تستعمل لغير العاقل، أو صفات العاقل، إذا استعمل ما هنا بدلًا من؛ لأنّه يقصد بالسؤال عن صفة أو صفات المعبود.
﴿مِنْ بَعْدِى﴾: من بعد موتي.
﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾: هنا عطف الشيء على مرادفه بإله آبائه هو إلهه، ولذلك قال: إلهًا واحدًا؛ للتوكيد.
﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾: الواو: تفيد التّوكيد، مسلمون: مخلصون موحدون مطيعون، والجملة الاسمية تفيد الثّبوت؛ أي: صفة الإسلام ثابتة.
قال أولاد يعقوب لأبيهم يعقوب: نعبد إلهك (أي: الله)، وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق؛ أي: إله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وهو الله. وإبراهيم هو جد يعقوب، وإسماعيل هو عم يعقوب، فأطلق عليهم لقب الأب؛ لأنّ العرب كانت تسمي العم أبًا، والجد أبًا.
1 / 140