Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani
تفسير المنتصر الكتاني
Nau'ikan
تفسير قوله تعالى: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله)
ثم أخذوا يتفكرون فيما بينهم، ويقول بعضهم لبعض: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ [الكهف:١٦].
فما دمتم قد اعتزلتم هؤلاء، وعشتم في عزلة دونهم، وقررتم أن تتركوا جموعهم، وأن تبتعدوا عن مدينتهم وعن ملكهم وسلطانهم، وأن تعتزلوا ما يعبدون غير الله، وقررتم تركهم، وترك آلهتهم التي عبدوها من دون الله، فأووا إلى الكهف، أي: اتخذوا من الكهف مأوى ومنزلًا ومعتزلًا وخلوة، ومكانًا تبتعدون فيه عن هؤلاء وآلهتهم الكاذبة، وفجورهم وظلمهم واعتدائهم.
قال تعالى: ﴿يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الكهف:١٦].
أي: يعطيكم الله ويجللكم بالرحمة، بأن يرحمكم من أعدائكم، فلا يعرفون مكانكم، ومن ثم لا يرجمونكم ولا يجبرونكم على الدخول في دينهم والعودة إلى باطلهم.
فاتخذوا هذا الكهف مأوى، عسى الله أن ينشر عليكم من رحمته، فيجعل هذا الكهف الذي أنتم فيه مجللًا بالرحمة، وبالحفظ وبالصيانة حتى لا يصل إليكم عدوكم.
قال تعالى: ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ [الكهف:١٦].
أي: يكرمكم، ويرشدكم، ويوفقكم إلى ما فيه مرفق لكم ترتفقون به، ويزول عنكم العسر، ويزول عنكم ما تتضجرون وتتبرمون به من طغيان هذا الطاغية وجبروت هذا الجبار.
والمرفق: هو ما يرتفق به في الحياة من سكن هادئ، وبيئة صالحة، ولباس مريح، وطعام لذيذ، فأي شيء يرتفق به الإنسان في حياته يسمى المرفق.
فهم يرجون أن يكون هذا الكهف مأوى لهم، ومرفقًا يرفق الله بهم فيه.
فدخلوا الكهف، وانتظروا الرحمة من الله والرفق بحالهم وحياتهم، واستجاب الله ﷻ دعاءهم، فأكرمهم بالرحمة وبالرفق بهم.
3 / 7