Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani
تفسير المنتصر الكتاني
Nau'ikan
تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم)
قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف:١٠٥].
يصف الله المبتدعة الضالين من كل فئة ومن كل نوع سواء زعموا أنهم مسلمون، أو بقوا على النصرانية والوثنية واليهودية والمجوسية، الذين يظنون أنهم يحسنون صنعًا وهم الأخسرون أعمالًا، والذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا فكفروا بالقرآن وبمعجزات النبي ﵊ وبما جاء عن الله مما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفروا بلقائه وبيوم البعث والنشور، أما اليهود والنصارى فزعموا أنها تبعث الأرواح لا الأجساد، فكانوا أيضًا كافرين، وزعمت ذلك فئة تدعي الإسلام، ومن عجيب أمرها أنها تدعي كذلك العلم، ثم تزعم أن البعث يكون بالروح فقط، فهذا القول يدل على الشك والارتياب في البعث والشك في البعث والنشور كفر وشرك وخروج عن الإسلام.
فقوله تعالى: ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [الكهف:١٠٥].
أي: ذهبت هباء وكأنها لم تكن، وكأنها أصبحت أشباحًا لا ذوات، فلم يحسب لها حساب، ومعنى ذلك: أن الله تعالى لا ينظر إليها ولا يقبلها.
فلابد في العبادة أن تكون لله وحده، فمن صرف شيئًا منها لغير الله يكون مشركًا، إما الشرك الظاهر وإما الشرك الخفي، وكل ذلك بلاء ومصيبة.
قال تعالى: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف:١٠٥].
أي: يوم القيامة لا يكون لهم شأن، ولا توزن أعمالهم؛ لأنهم لا أعمال لهم، وإنما توزن أعمال من يأتي بخير كالمسلمين المقصرين أو العابدين الأتقياء، وقد يثقل في الميزان، وتكون كافية لتكفير الذنوب ولدخول الجنان كما حدثنا رسول الله ﷺ عن صاحب البطاقة التي لا يمتلك سواها من الأعمال الصالحة، فعندما يأمر الله ملائكته بأخذه للنار لأن كفة السيئات غلبت كفة الحسنات يأمرهم الله بالعود به، قال: ﴿لا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر:١٧] ويقول: لا تزال لك حسنة واحدة، فأتي ببطاقة أي: بورقة أو بقصاصة ورق فوضعت في كفة الحسنات فترجح الميزان وتطيش كفة السيئات، فيؤمر به إلى الجنة، وقد كان يعجب في أول أمره ويقول: ماذا عسى أن يكون في هذه البطاقة؟! والذي كان في البطاقة هو كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وقد أخبرنا نبينا ﷺ أنه عند فساد الزمان وعند رفع القرآن من الصدور يعيش أقوام في أزمان متطاولة لا يعلمون إلا كلمة: لا إله إلا الله، ويقولون: ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ونحن نقولها، فلا يعملون صلاة ولا صيامًا ولا زكاة ولا حجًا، ولا يعلمون لا حلالًا ولا حرامًا، فسئل الراوي معاذ بن جبل: أيدخلون الجنة؟ فقال: من معه لا إله إلا الله دخل الجنة.
وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨] فمن قال: لا إله إلا الله ووحد الله، فاعترف لله بالوحدانية، وبما يليق بجلاله ومقامه وعظمته ﷻ فهو على أي اعتبار مؤمن، وبعد ذلك إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له حتى ولو دخل النار.
وقوله: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف:١٠٥] من هنا يتأكد قول من يقول: لا توزن أعمال الكافرين؛ لأنهم لا أعمال لهم، وهذا معقول مع النص.
18 / 3