146

Tafsir al-Baydawi

تفسير البيضاوى

Editsa

محمد عبد الرحمن المرعشلي

Mai Buga Littafi

دار إحياء التراث العربي

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤١٨ هـ

Inda aka buga

بيروت

نفي للتشبيه وتأكيد لكونه حيًا قيومًا، فإن من أخذه نعاس أو نوم كان مؤف الحياة قاصرًا في الحفظ والتدبير، ولذلك ترك العاطف فيه وفي الجمل التي بعده. لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لقيوميتَّه واحتجاج به على تفرده في الألوهية، والمراد بما فيهما داخلًا في حقيقتهما أو خارجًا عنهما متمكنًا فيهما فهو أبلغ من قوله: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ بيان لكبرياء شأنه ﷾، وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلًا عن أن يعاوقه عنادًا أو مناصبة أي مخاصمة. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ما قبلهم وما بعدهم، أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي، أو أمور الدنيا وأمور الآخرة، أو عكسه، أو ما يحسونه وما يعقلونه، أو ما يدركونه وما لا يدركونه، والضمير لما في السموات والأرض، لأن فيهما العقلاء، أو لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ من معلوماته. إِلَّا بِما شاءَ أن يعلموه، وعطفه على ما قبله لأن مجموعهما يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته ﷾. وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ تصوير لعظمته وتمثيل مجرد كقوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ولا كرسي في الحقيقة، ولا قاعد. وقيل كرسيه مجاز عن علمه أو ملكه، مأخوذ من كرسي العالم والملك. وقيل جسم بين يدي العرش ولذلك سمي كرسيًا محيط بالسموات السبع،
لقوله ﵊ «ما السموات السبع والأرضون السبع من الكرسي، إلا كحلقة في فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة»
ولعله الفلك المشهور بفلك البروج، وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، وكأنه منسوب إلى الكرسي وهو الملبد. وَلا يَؤُدُهُ أي ولا يثقله، مأخوذ من الأود وهو الاعوجاج. حِفْظُهُما أي حفظه السموات والأرض، فحذف الفاعل وأضاف المصدر إلى المفعول. وَهُوَ الْعَلِيُّ المتعالي عن الأنداد والأشباه.
الْعَظِيمُ المستحقر بالإضافة إليه كل ما سواه.
وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الإلهية، فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الألوهية، متصف بالحياة، واجب الوجود لذاته موجد لغيره، إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره، منزه عن التحيز والحلول، مبرأ عن التغير والفتور، لا يناسب الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح، مالك الملك والملكوت، ومبدع الأصول والفروع، ذو البطش الشديد، الذي لا يشفع عنده إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ عالم الأشياء كلها، جليها وخفيها، كليها وجزئيها، واسع الملك والقدرة، كل ما يصح أن يملك ويقدر عليه، لا يؤده شاق، ولا يشغله شأن، متعال عما يدركه، وهو عظيم لا يحيط به فهم، ولذلك
قال ﵊ «إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي، من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته، ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة» .
وقال «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» .
[سورة البقرة (٢): آية ٢٥٦]
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ إذ الإِكراه في الحقيقة إلزام الغير فعلًا لا يرى فيه خيرًا يحمله عليه، ولكن قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ تميز الإِيمان من الكفر بالآيات الواضحة، ودلت الدلائل على أن الإِيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية والكفر غي يؤدي إلى الشقاوة السرمدية، والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه إلى الإِيمان طلبًا للفوز بالسعادة والنجاة، ولم يحتج إلى الإِكراه والإِلجاء. وقبل إخبار في معنى النهي، أي لا تكرهوا في الدين، وهو إما عام منسوخ بقوله جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ، أو خاص بأهل

1 / 154