141

Tafsir al-Baghawi - Revival of Heritage

تفسير البغوي - إحياء التراث

Bincike

عبد الرزاق المهدي

Mai Buga Littafi

دار إحياء التراث العربي

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤٢٠ هـ

Inda aka buga

بيروت

Nau'ikan

الكتب، فقال الشيطان: إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَضْبِطُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ وَالطَّيْرَ بِهَذَا، ثُمَّ طار الشيطان وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ سُلَيْمَانَ كان ساحرا وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فَلِذَلِكَ أَكْثَرَ مَا يُوجَدُ السِّحْرُ فِي الْيَهُودِ، فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ ﷺ بَرَّأَ اللَّهُ تَعَالَى سُلَيْمَانَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ فِي عُذْرِ سُلَيْمَانَ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ: بِالسِّحْرِ، وَقِيلَ: لَمْ يكن سليمان كافرا يسحر وَيَعْمَلُ بِهِ، وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، قرأ [ابن عامر] [١] والكسائي وحمزة (ولكن)، خَفِيفَةَ النُّونِ، (وَالشَّيَاطِينُ)، رَفْعٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (وَلَكِنَّ)، مُشَدَّدَةَ النُّونِ (وَالشَّيَاطِينَ) نَصْبٌ، وَكَذَلِكَ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: ١٧]، ومعنى وَلكِنَّ نَفْيُ الْخَبَرِ الْمَاضِي وَإِثْبَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، قِيلَ: مَعْنَى السِّحْرِ:
الْعِلْمُ وَالْحِذْقُ بِالشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزُّخْرُفِ: ٤٩]، أَيِ: الْعَالِمُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ السِّحْرَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ، وَالسِّحْرُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَمِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ كُفْرٌ، حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: السِّحْرُ يُخَيِّلُ وَيُمْرِضُ وَقَدْ يَقْتُلُ، حَتَّى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَتَلَقَّاهُ السَّاحِرُ مِنْهُ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، فَإِذَا تَلَقَّاهُ منه بتعليمه إياه اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجْعَلُ الْآدَمِيَّ عَلَى صُورَةِ الْحِمَارِ، وَيَجْعَلُ الْحِمَارَ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ [٢]، وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ تَخْيِيلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه: ٦٦]، ولكنه يُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَلِلْكَلَامِ تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ، وَقَدْ يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ مَا يَكْرَهُ فَيَحْمَى وَيَغْضَبُ، وَرُبَّمَا يُحَمُّ مِنْهُ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ سَمِعُوهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ.
قَوْلُهُ ﷿: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ، أَيْ: وَيُعَلِّمُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، أَيْ:
إِلْهَامًا وَعِلْمًا، فَالْإِنْزَالُ: بِمَعْنَى الْإِلْهَامِ وَالتَّعْلِيمِ وَقِيلَ: وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: «الْمَلِكَيْنِ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا رَجُلَانِ سَاحِرَانِ كَانَا بِبَابِلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ:
عِلْجَانِ [٣]، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُعَلِّمُونَ السِّحْرَ، وَبَابِلُ هِيَ بَابِلُ الْعِرَاقِ، سُمِّيَتْ بَابِلَ لِتَبَلْبُلِ الْأَلْسِنَةِ بِهَا عِنْدَ سُقُوطِ صَرْحِ نُمْرُودَ، أَيْ: تَفَرُّقِهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَابِلُ أَرْضِ الْكُوفَةِ، وَقِيلَ: جَبَلُ دَمَاوَنْدَ [٤]، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ: عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِالْفَتْحِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ تَعْلِيمُ السِّحْرِ مِنَ الملكين [٥]؟ قِيلَ: لَهُ تَأْوِيلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَا يَتَعَمَّدَانِ التَّعْلِيمَ لَكِنْ يَصِفَانِ السِّحْرَ، وَيَذْكُرَانِ بُطْلَانَهُ وَيَأْمُرَانِ بِاجْتِنَابِهِ، وَالتَّعْلِيمُ: بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، فَالشَّقِيُّ يَتْرُكُ نَصِيحَتَهُمَا وَيَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْ صَنْعَتِهِمَا، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَمَنْ شَقِيَ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْهُمَا [وَيَأْخُذُهُ عَنْهُمَا وَيَعْمَلُ بِهِ] [٦] فَيَكْفُرُ بِهِ، وَمِنْ سَعِدَ يَتْرُكُهُ، فَيَبْقَى عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَزْدَادُ الْمُعَلِّمَانِ بِالتَّعْلِيمِ عَذَابًا فَفِيهِ ابْتِلَاءٌ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ فَلَهُ الْأَمْرُ وَالْحُكْمُ، قَوْلُهُ ﷿: هارُوتَ وَمارُوتَ: هما اسْمَانِ سُرْيَانِيَّانِ وَهُمَا فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَلَكَيْنِ إِلَّا أنهما نصبا لعجمتهما

(١) في نسخ المطبوع «ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁» والمثبت عن المخطوط وكتب القراءات.
(٢) هذا قول باطل ليس بشيء. والصواب كما قال المصنف: هو تخييل.
(٣) العلج: الرجل من كفّار العجم- ومعنى الكافر: الزارع كما في «القاموس» .
(٤) في المخطوط «دبناوند» .
(٥) في المطبوع «الملئكة» .
(٦) سقط من المطبوع وحده.

1 / 148