قال : { ثم توليتم من بعد ذلك } فنقضتم الميثاق { فلولا فضل الله عليكم } بعد نقض الميثاق الأول حين اتخذوا العجل ثم عفا عنهم بالتوبة التي أمرهم أن يقتلوا أنفسهم [ بها ] { ورحمته } إذ لم يعجل عليك بالعذاب { لكنتم من الخاسرين } أي من المعذبين .
قوله : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } .
قال الكلبي : ذكر لنا أنهم كانوا في زمان داود بأرض يقال لها أيلة وهو مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد ، تأتيهم فيها حتى لا يروا الماء . وتأتيهم في غير ذلك الشهر كل يوم سبت كما تأتيهم في ذلك الشهر . قال بعض أهل التفسير : وذلك بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . قال الكلبي : فإذا جاء السبت لم يمسوا منها شيئا . فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة فأخذوا من الحيتان ليلة السبت ويوم السبت . فأكثروا منها وملحوا وباعوا . ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا وقالوا : إنا نرى السبت قد حل وذهبت حرمته ، إنما كان يعاقب به آباؤنا في زمان موسى ، ثم استن الأبناء سنة الآباء . وكانوا يخافون العقوبة ، ولو أنهم فعلوا لم يضرهم شيء . فعملوا بذلك حتى أثروا منه ، وتزوجوا النساء ، واتخذوا الأموال .
فمشى إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا : يا قوم ، إنكم قد انتهتكم حرمة سبتكم ، وعصيتم ربكم ، وخالفتم سنة نبيكم ، فانتهوا عن هذا العمل الرديء من قبل أن ينزل بكم العذاب؛ فإنا قد علمنا أن الله منزل بكم عذابه عاجلا ونقمته . قالوا : فلم تعظوننا إن كنتم علمتم بهذا العمل منذ سنين منا ، فما زادنا الله به إلا خيرا ، وإن أطعتمونا لتفعلن كالذي فعلنا . وإنما حرم هذا على من قبلنا . قالوا لهم : ويلكم لا تغتروا ولا تأمنوا بأس الله فإنه كأن قد نزل . قالوا : ف { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا } . قال الذين آمنوا : { معذرة إلى ربكم } . إما أن تنتهوا فيكون لنا أجر ، وإما أن تهلكوا فننجو من معصيتكم . قال الله : { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } [ الأعراف : 1
64
-165 ] ، يعني فسق الشرك . فأصبح الذين استحلوا السبت قردة خاسئين .
وقال بعضهم : صاروا ثلاث فرق : فرقة اجترأت على المعصية ، وفرقة نهت ، وفرقة كفت ولم تصنع ما صنعوا ولم تنههم ، فقالوا للذين نهوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون .
قوله : { قردة خاسئين } . والخاسىء الذي لا يتكلم وقال بعضهم : فصاروا قرودا تعاوى لها أذناب بعدما كانت رجالا ونساء . وقال الحسن : خاسئين : صاغرين .
Shafi 30