بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله [الطاهرين] وسلم تسليما كثيرا.
[أما بعد] قال محمد بن علي بن محمد بن جعفر بن دقاق:
حدثني الشيخان الفقيهان: أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان وأبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي (ره) قالا:
حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ره) قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاستراباذي الخطيب (ره) قال: حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار (1) - وكانا من الشيعة الإمامية - قالا: كان أبوانا إماميين، وكانت الزيدية هم الغالبون بأستراباذ (2)، وكنا في إمارة الحسن بن زيد (3) العلوي الملقب بالداعي إلى الحق إمام الزيدية، وكان
Shafi 9
كثير الاصغاء إليهم، يقتل الناس بسعاياتهم، فخشينا على أنفسنا، فخرجنا بأهلينا إلى حضرة الامام أبي محمد الحسن بن علي بن محمد أبي القائم عليهم السلام، فأنزلنا عيالاتنا في بعض الخانات، ثم استأذنا على الإمام الحسن بن علي عليهما السلام فلما رآنا قال:
مرحبا بالآوين إلينا، الملتجئين إلى كنفنا، قد تقبل الله تعالى سعيكما، وآمن روعكما وكفا كما أعداء كما، فانصرفا آمنين على أنفسكما وأموالكما.
فعجبنا من قوله ذلك لنا، مع أنا لم نشك في صدق مقاله.
فقلنا: فماذا تأمرنا أيها الامام أن نصنع في طريقنا إلى أن ننتهي إلى بلد خرجنا من هناك، وكيف ندخل ذلك البلد ومنه هربنا، وطلب سلطان البلد لنا حثيث ووعيده إيانا شديد؟!
فقال عليه السلام: خلفا علي ولديكما هذين لأفيدهما العلم الذي يشرفهما الله تعالى به، ثم لا تحفلا بالسعاة، ولا بوعيد المسعى إليه، فان الله عز وجل (يقصم السعاة) (1) ويلجئهم إلى شفاعتكم فيهم عند من قد هربتم منه.
قال أبو يعقوب وأبو الحسن: فاتمرا لما أمرا، و [قد] خرجا وخلفانا هناك، وكنا نختلف إليه، فيتلقانا ببر الآباء وذوي الأرحام الماسة.
Shafi 10
فقال لنا ذات يوم: إذا أتاكما خبر كفاية الله عز وجل أبويكما وإخزائه أعداءهما وصدق وعدي إياهما، جعلت من شكر الله عز وجل أن أفيد كما تفسير القرآن مشتملا على بعض أخبار آل محمد صلى الله عليه وآله فيعظم الله تعالى بذلك شأنكما.
قالا: ففرحنا وقلنا: يا بن رسول الله فإذا نأتي (على جميع) (1) علوم القرآن ومعانيه؟
قال عليه السلام: كلا، إن الصادق عليه السلام علم - ما أريد أن أعلمكما - بعض أصحابه ففرح بذلك، وقال: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله قد جمعت علم القرآن كله؟
فقال عليه السلام: قد جمعت خيرا كثيرا، وأوتيت فضلا واسعا، لكنه مع ذلك أقل قليل [من] أجزاء علم القرآن، إن الله عز وجل يقول:
" قل لو كان البحر مدادا لكمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا " (2) ويقول: " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله " (3) وهذا علم القرآن ومعانيه، وما أودع من عجائبه، فكم (4) ترى مقدار ما أخذته من جميع هذا [القرآن] ولكن القدر الذي أخذته، قد فضلك الله تعالى به على كل من لا يعلم كعلمك، ولا يفهم كفهمك.
قالا: فلم نبرح من عنده حتى جاءنا فيج (5) قاصد من عند أبوينا بكتاب يذكر فيه أن الحسن بن زيد العلوي قتل رجلا بسعاية أولئك الزيدية، واستصفى ماله
Shafi 11
ثم أتته (1) الكتب من النواحي والأقطار المشتملة على خطوط الزيدية بالعذل (2) الشديد، والتوبيخ العظيم يذكر فيها أن ذلك المقتول كان من أفضل زيدي على ظهر الأرض، وأن السعاة قصدوه لفضله وثروته. فتنكر (3) لهم، وأمر بقطع آنافهم وآذانهم، وأن بعضهم قد مثل به لذلك (4) وآخرين قد هربوا.
وأن العلوي ندم واستغفر، وتصدق بالأموال الجليلة بعد أن رد أموال ذلك المقتول على ورثته، وبذل لهم أضعاف دية [وليهم] (5) المقتول واستحلهم. فقالوا:
أما الدية فقد أحللناك منها، وأما الدم فليس إلينا إنما هو إلى المقتول، والله الحاكم.
وأن العلوي نذر لله عز وجل أن لا يعرض للناس في مذاهبهم.
وفى كتاب أبويهما: أن الداعي إلى الحق الحسن بن زيد " قد أرسل إلينا ببعض ثقاته بكتابه وخاتمه وأمانه، وضمن لنا رد أموالنا وجبر النقص الذي لحقنا فيها وأنا صائران إلى البلد، ومتنجزان ما وعدنا.
فقال الإمام عليه السلام: إن وعد الله حق.
فلما كان اليوم العاشر جاءنا كتاب أبوينا: أن (6) الداعي إلى الحق قد وفى لنا بجميع عداته، وأمرنا بملازمة الامام العظيم البركة، الصادق الوعد.
فلما سمع الإمام عليه السلام [بهذا] قال: هذا حين إنجازي ما وعدتكما من تفسير القرآن، ثم قال عليه السلام [قد] وظفت لكما كل يوم شيئا منه تكتبانه، فالزماني وواظبا علي يوفر الله تعالى من السعادة (7) حظوظكما.
فأول ما أملى علينا أحاديث في فضل القرآن وأهله، ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك، فكتبنا في مدة مقامنا عنده، وذلك سبع سنين، نكتب في كل يوم منه مقدار ما
Shafi 12
ننشط (1) له. فكان أول ما أملى علينا وكتبناه [قال الإمام عليه السلام:] [فضل القرآن] 1 - حدثني أبي علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه الباقر محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد المستشهدين عن أبيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وخليفة رسول رب العالمين، وفاروق الأمة، وباب مدينة الحكمة، ووصي رسول الرحمة " علي بن أبي طالب " صلوات الله عليهم عن رسول رب العالمين، وسيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين والمخصوص بأشرف الشفاعات في يوم الدين صلى الله عليه وآله أجمعين قال: حملة القرآن المخصوصون برحمة الله، الملبسون نور الله، المعلمون (2) كلام الله، المقربون عند (3) الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله ويدفع (4) الله عن مستمع القرآن بلوى الدنيا، وعن قارئه بلوى الآخرة.
والذي نفس محمد بيده، لسامع آية من كتاب الله عز وجل - وهو معتقد أن المورد له عن الله تعالى: محمد، الصادق في كل أقواله، الحكيم في كل أفعاله المودع ما أودعه الله تعالى: من علومه أمير المؤمنين عليا عليه السلام، المعتقد للانقياد له فيما يأمر ويرسم - أعظم أجرا من ثبير (5) ذهب يتصدق به من لا يعتقد هذه الأمور بل [تكون] صدقته وبالا عليه.
Shafi 13
ولقارئ آية من كتاب الله - معتقدا لهذه الأمور - أفضل مما دون العرش إلى أسفل التخوم (1) يكون لمن لا يعتقد هذا الاعتقاد، فيتصدق به، بل ذلك كله وبال على هذا المتصدق به.
ثم قال: أتدرون متى يتوفر على هذا المستمع وهذا القارئ هذه المثوبات العظيمات؟ إذا لم يغل في القرآن [إنه كلام مجيد] ولم يجف عنه، ولم يستأكل به ولم يراء به.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بالقرآن فإنه الشفاء النافع، والدواء المبارك [و] عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن NoteV00P014N01 تبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيشعب (2) ولا تنقضي (3) عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد.
[و] اتلوه فان الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول:
" ألم " عشر، ولكن أقول " الألف " عشر، و " اللام " عشر، و " الميم " عشر.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدرون من المتمسك الذي (بتمسكه ينال) (4) هذا الشرف العظيم؟ هو الذي أخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت، أو عن وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا، لاعن آراء المجادلين وقياس القائسين.
فاما من قال في القرآن برأيه، فان اتفق له مصادفة صواب، فقد جهل في أخذه عن غير أهله، وكان كمن سلك طريقا مسبعا (5) من غير حفاظ يحفظونه فان اتفقت له السلامة، فهو لا يعدم من العقلاء والفضلاء الذم [والعذل] والتوبيخ وإن اتفق له افتراس السبع [له] فقد جمع إلى هلاكه سقوطه عند الخيرين الفاضلين وعند العوام الجاهلين.
Shafi 14
وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار، وكان مثله كمثل من ركب بحرا هائجا بلا ملاح، ولا سفينة صحيحة، لا يسمع بهلاكه أحد إلا قال: هو أهل لما لحقه، ومستحق لما أصابه.
وقال صلى الله عليه وآله: ما أنعم الله عز وجل على عبد بعد الايمان بالله أفضل من العلم بكتاب الله والمعرفة بتأويله.
ومن جعل الله له في ذلك حظا، ثم ظن أن أحدا - لم يفعل به ما فعل به - قد فضل عليه فقد حقر (نعم الله) (1) عليه. (2) [فضل العالم بتأويل القرآن والعالم برحمته] 2 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى:
" يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " (3) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " فضل الله عز وجل " القرآن والعلم بتأويله " ورحمته " توفيقه لموالاة محمد وآله الطيبين، ومعاداة أعدائهم.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وكيف لا يكون ذلك خيرا مما يجمعون، وهو ثمن الجنة ونعيمها، فإنه يكتسب بها رضوان الله تعالى الذي هو أفضل من الجنة ويستحق بها الكون بحضرة محمد وآله الطيبين الذي هو أفضل من الجنة.
[و] إن محمدا وآله الطيبين أشرف زينة في (4) الجنان.
Shafi 15
ثم قال صلى الله عليه وآله: يرفع الله بهذا القرآن والعلم بتأويله، وبموالاتنا أهل البيت والتبري من أعدائنا أقواما، فيجعلهم (1) في الخير قادة، تقص (2) آثارهم، وترمق (3) أعمالهم ويقتدى بفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم (4)، وفي صلواتها [تبارك عليهم، و] تستغفر لهم [حتى] كل رطب ويابس [يستغفر لهم] حتى حيتان البحر وهو أمه [سباع الطير] وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها. (5) [آداب قراءة القرآن] 3 - ثم قال الحسن أبو محمد الإمام عليه السلام: أما قوله الذي ندبك [الله] إليه، وأمرك به عند قراءة القرآن: " أعوذ بالله [السميع العليم] من الشيطان الرجيم " فان أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن قوله: " أعوذ بالله " أي أمتنع بالله، " السميع " لمقال الأخيار والأشرار ولكل المسموعات من الاعلان والاسرار " العليم " بأفعال الأبرار والفجار، وبكل شئ مما كان وما يكون [ومالا يكون] أن لو كان كيف كان يكون (6) " من الشيطان الرجيم " (والشيطان) هو البعيد من كل خير " الرجيم " المرجوم باللعن، المطرود من بقاع الخير والاستعاذة هي [م] ما قد أمر الله به عباده عند قراءتهم القرآن، فقال:
" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " (7)
Shafi 16
ومن تأدب بأدب الله عز وجل أداه إلى الفلاج الدائم، ومن استوصى بوصية الله كان (1) له خير الدارين. (2) [سد الأبواب عن المسجد دون باب علي عليه السلام] 4 - ألا أنبئكم ببعض أخبارنا؟ قالوا: بلى يا بن أمير المؤمنين. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما بنى مسجده بالمدينة وأشرع فيه بابه، وأشرع المهاجرون والأنصار (أبوابهم) أراد الله عز وجل إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى بأن سدوا الأبواب عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن ينزل بكم العذاب.
فأول من بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله يأمره بسد الأبواب العباس (3) بن عبد المطلب فقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله، وكان الرسول معاذ بن جبل.
ثم مر العباس بفاطمة عليها السلام فرآها قاعدة على بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين عليهما السلام، فقال لها: ما بالك قاعدة؟
انظروا إليها كأنها لبوة (4) بين يديها جرواها (5) تظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج عمه، ويدخل ابن عمه.
فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: ما بالك قاعدة؟ قالت: أنتظر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الأبواب. فقال لها:
إن الله تعالى أمرهم بسد الأبواب، واستثنى منهم رسوله [إنما] أنتم نفس رسول الله ثم إن عمر بن الخطاب جاء فقال: إني أحب النظر إليك يا رسول الله إذا مررت إلى مصلاك، فاذن لي في فرجة (6) أنظر إليك منها؟
فقال صلى الله عليه وآله: قد أبي الله عز وجل ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال:
قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع [عليه] إحدى عيني. قال: قد أبى الله ذلك، ولو
Shafi 17
قلت: قدر طرف إبرة لم آذن لك، والذي نفسي (1) بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم، ولكن الله أدخلهم وأخرجكم. ثم قال صلى الله عليه وآله:
لا ينبغي لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت في هذا المسجد جنبا إلا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمنتجبون من آلهم، الطيبون من أولادهم.
قال عليه السلام: فأما المؤمنون فقد رضوا وسلموا، وأما المنافقون فاغتاظوا لذلك وأنفوا، ومشى بعضهم إلى بعض يقولون [فيما بينهم]: ألا ترون محمدا لا يزال يخص بالفضائل ابن عمه ليخرجنا منها صفرا؟
والله لئن أنفذنا له في حياته لنأبين (2) عليه بعد وفاته!
وجعل عبد الله بن أبي يصغي إلى مقالتهم، ويغضب تارة، ويسكن أخرى ويقول لهم: إن محمدا صلى الله عليه وآله لمتأله، فإياكم ومكاشفته، فان من كاشف المتأله انقلب خاسئا حسيرا، وينغص عليه عيشه وإن الفطن اللبيب من تجرع على الغصة لينتهز الفرصة.
فبينا هم كذلك إذ طلع [عليهم] رجل من المؤمنين يقال له زيد بن أرقم، فقال لهم:
يا أعداء الله أبالله تكذبون، وعلى رسوله تطعنون ودينه (3) تكيدون؟ والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله بكم.
فقال عبد الله بن أبي والجماعة: والله لئن أخبرته بنا لنكذبنك، ولنحلفن [له] فإنه إذا يصد قنا، ثم والله لنقيمن عليك من يشهد عليك عنده بما يوجب قتلك أو قطعك أو حدك.
[قال عليه السلام:] فأتى زيد رسول الله صلى الله عليه وآله فأسر إليه ما كان من عبد الله بن أبي وأصحابه فأنزل الله عز وجل:
Shafi 18
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/33/48" target="_blank" title="الأحزاب: 48">﴿ولا تطع الكافرين﴾</a> (1) المجاهرين (2) لك يا محمد فيما دعوتهم إليه من الايمان بالله، والموالاة لك ولأوليائك والمعاداة لأعدائك.
(والمنافقين) الذين يطيعونك في الظاهر، ويخالفونك في الباطن (ودع أذاهم) بما يكون منهم من القول السئ فيك وفي ذويك (وتوكل على الله) في إتمام أمرك وإقامة حجتك.
فان المؤمن هو الظاهر [بالحجة] وإن غلب في الدنيا، لان العاقبة له لان غرض المؤمنين في كدحهم في الدنيا إنما هو الوصول إلى نعيم الأبد في الجنة، وذلك حاصل لك ولآلك ولأصحابك وشيعتهم. (3) ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يلتفت إلى ما بلغه عنهم، وأمر زيدا (4) فقال [له]:
إن أردت أن لا يصيبك (5) شرهم ولا ينالك مكرهم فقل إذا أصبحت: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " فان الله يعيذك من (6) شرهم، فإنهم شياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
وإذا أردت أن يؤمنك بعد ذلك من الغرق والحرق والسرق (7) فقل إذا أصبحت:
" بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله " بسم الله " ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله " بسم الله " ما شاء الله، ما يكون من نعمة فمن الله، " بسم الله " ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " بسم الله " ما شاء الله [و] صلى الله على محمد وآله الطيبين ".
فان من قالها ثلاثا إذا أصبح أمن من الحرق والغرق والسرق حتى يمسي.
ومن قالها ثلاثا إذا أمسى أمن من الحرق والغرق والسرق حتى يصبح
Shafi 19
وإن الخضر وإلياس عليهما السلام يلتقيان في كل موسم، فإذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات.
وإن ذلك شعار شيعتي (1)، وبه يمتاز أعدائي من أوليائي يوم خروج قائمهم صلى الله عليه وآله.
قال الباقر عليه السلام: لما أمر العباس بسد الأبواب، وأذن لعلي عليه السلام في ترك بابه جاء العباس وغيره من آل محمد صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله ما بال علي يدخل ويخرج؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك إلى الله فسلموا له تعالى حكمه، هذا جبرئيل جاءني عن الله عز وجل بذلك.
ثم أخذه ما كان يأخذه إذا نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال: يا عباس يا عم رسول الله إن جبرئيل يخبرني عن الله جل جلاله أن عليا لم يفارقك في وحدتك، وأنسك في وحشتك، فلا تفارقه في مسجدك لو رأيت عليا - وهو يتضور (2) على فراش محمد صلى الله عليه وآله واقيا روحه بروحه، متعرضا لأعدائه، مستسلما لهم أن يقتلوه شر قتلة - لعلمت أنه يستحق من محمد الكرامة والتفضيل، ومن الله تعالى التعظيم والتبجيل - إن عليا قد انفرد عن الخلق في البيتوتة على فراش محمد ووقاية روحه بروحه فأفرده الله تعالى دونهم بسلوكه في مسجده - لو رأيت عليا - يا عم رسول الله - وعظيم منزلته عند رب العالمين، وشريف محله عند ملائكته المقربين، وعظيم شأنه في أعلى عليين لاستقللت ما تراه له ههنا.
إياك يا عم رسول الله وأن تجد (3) له في قلبك مكروها فتصير كأخيك أبي لهب فإنكما شقيقان.
يا عم رسول الله لو أبغض عليا أهل السماوات والأرضين لأهلكهم الله ببغضه، ولو أحبه الكفار أجمعون لأثابهم الله عن محبته بالخاتمة (4) المحمودة بأن يوفقهم للايمان
Shafi 20
ثم يدخلهم الجنة برحمته.
يا عم رسول الله إن شأن علي عظيم، إن حال علي جليل، إن وزن علي ثقيل [و] ما وضع حب علي في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلا رجح على حسناته.
فقال العباس: قد سلمت ورضيت يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عم انظر إلى السماء. فنظر العباس، فقال: ماذا ترى يا عباس؟
فقال: أرى شمسا طالعة نقية من سماء صافية جلية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عم رسول الله إن حسن تسليمك لما وهب الله عز وجل لعلي [من] الفضيلة أحسن من هذه الشمس في [هذه] السماء، وعظم بركة هذا التسليم عليك أعظم وأكثر (1) من عظم بركة هذه الشمس على النبات والحبوب والثمار حيث تنضجها وتنميها [وتربيها]، واعلم أنه قد صافاك بتسليمك لعلي قبيلة (2) من الملائكة المقربين أكثر عددا من قطر المطر وورق الشجر ورمل عالج، وعدد شعور الحيوانات وأصناف النباتات، وعدد خطى بني آدم وأنفاسهم وألفاظهم وألحاظهم كل يقولون:
اللهم صل على العباس عم نبيك في تسليمه لنبيك فضل أخيه علي.
فاحمد الله واشكره، فلقد عظم ربحك، وجلت رتبتك في ملكوت السماوات. (3) قوله عز وجل: " بسم الله الرحمن الرحيم " 5 - [قال الإمام عليه السلام:] " الله " هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق [و] عند انقطاع الرجاء من كل من دونه وتقطع (4) الأسباب من جميع من سواه فيقول:
بسم الله [الرحمن الرحيم] أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة
Shafi 21
إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي.
6 - قال الإمام عليه السلام وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام:
يا بن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني.
فقال [له] (1): يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى.
فقال: هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ (2) قال: بلى.
قال: فهل تعلق قلبك هنا لك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى.
قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث (3).
[الافتتاح بالتسمية عند كل فعل] 7 - وقال الصادق عليه السلام: ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا " بسم الله الرحمن الرحيم " فيمتحنه الله بمكروه، لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه، ويمحو (4) عنه وصمة تقصيره عند تركه قول " بسم الله [الرحمن الرحيم].
لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين عليه السلام وبين يديه كرسي فأمره بالجلوس، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم
Shafi 22
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بماء، فغسل عنه ذلك الدم.
ثم قال: أدن مني فدنا منه، فوضع يده على موضحته - وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر [له] معه - ومسح يده عليها، وتفل فيها [فما هو إلا أن فعل ذلك] حتى اندمل وصار كأنه لم يصبه شئ قط.
ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا عبد الله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم (١) لتسلم [لهم] (٢) طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها.
فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين! [و] إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا؟
قال: نعم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر؟
يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم [به] من المحن، وبما يغفره لهم، فان الله إن الله تعالى يقول: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/42/30" target="_blank" title="الشورى: 30">﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾</a> (3) حتى إذا وردوا القيامة، تو فرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم. (4) وان أعداء محمد وأعداءنا (5) يجازيهم على طاعة تكون منهم في الدنيا - وإن كان لا وزن لها لأنه لا إخلاص معها - حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه وآله وخيار أصحابه، فقذفوا لذلك في النار.
ولقد سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول: إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع [لله مؤمن] والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه، ولكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الأرض، فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها، لان ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج حيث لا يقدر عليه، فآيسته الأطباء من نفسه وقالوا [له]: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست (6) بأخلد من أصحاب (7)
Shafi 23
القبور، فان شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها، ولا سبيل إليها.
فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج [البحر ب] تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فأخذت له [تلك السمكة] (1) فأكلها، فبرء من مرضه، وبقي في ملكه (2) سنين بعدها.
ثم إن ذلك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، واشتهى تلك السمكة، ووصفها له الأطباء.
فقالوا: طب نفسا، فهذا أوانها تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ.
فبعث الله ذلك الملك وأمره أن يزعج جنس تلك السمكة [كله] من الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فيؤخذ (3) حتى مات المؤمن من شهوته، لعدم دوائه.
فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد [في الأرض] حتى كادوا يفتنون لان الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل إليه، وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا.
فأوحى الله عز وجل إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الأرض: إني أنا الله الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، ولا ينفعني ما أمنع، ولا أظلم أحدا مثقال ذرة، فأما الكافر فإنما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها، ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا علي أن لا أبطل لاحد (4) حسنة حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره.
ومنعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه أردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة، إعدام ذلك الدواء، ليأتين ولا ذنب عليه، فيدخل الجنة.
فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فان رأيت (5) أن
Shafi 24
تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس، حتى لا أعود إلى مثله.
قال: تركك حين جلست أن تقول: " بسم الله الرحمن الرحيم " فجعل (1) الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك.
أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله حدثني عن الله عز وجل أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر " بسم الله " (2) فيه فهو أبتر. فقلت: بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها.
قال: إذا تحصن (3) بذلك وتسعد.
ثم قال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ما تفسير " بسم الله الرحمن الرحيم "؟
قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا [و] يقول: [بسم الله أي: بهذا الاسم أعمل هذا العمل.
فكل أمر (4) يعمله يبدأ فيه ب] (5) " بسم الله الرحمن الرحيم " فإنه يبارك له فيه. (6) 8 - قال الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام: دخل محمد بن [علي بن] (7) مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام وهو كئيب حزين فقال له زين العابدين عليه السلام: ما بالك مهموما مغموما؟
قال: يا بن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت [به] من جهة حساد (نعمتي، والطامعين) (8) في، وممن أرجوه وممن قد أحسنت إليه فيخلف ظني.
Shafi 25
فقال له علي بن الحسين [زين العابدين] عليهما السلام: إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
قال الزهري: يا بن رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: هيهات هيهات إياك وأن تعجب من نفسك بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل من تسمعه (1) نكرا أمكنك أن توسعه عذرا.
ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه.
ثم قال: يا زهري وما عليك أن (2) تجعل المسلمين [منك] بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم [منك] بمنزلة ولدك، وتجعل تربك (3) منهم بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء تحب أن تظلم؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره.
وإن عرض لك إبليس - لعنه الله - بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان والعمل الصالح، فهو خير مني وإن كان أصغر منك، فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي، وفي شك من أمره، فمالي أدع يقيني لشكي (4) وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل أحدثوه (5) وإن رأيت منهم (جفاء وانقباضا عنك قل: هذا الذي) (6) أحدثته فإنك إذا فعلت ذلك، سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
Shafi 26
واعلم: أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا، وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففا، وإن كان إليهم محتاجا، فإنما أهل الدنيا (يعشقون الأموال) (1)، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها أو من بعضها كان أعز [عليهم] وأكرم. (2) 9 - قال عليه السلام: ثم قال إليه رجل فقال:
يا ابن رسول الله أخبرني ما معنى " بسم الله الرحمن الرحيم "؟
فقال علي بن الحسين عليه السلام: حدثني أبي، عن أخيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم " الله الرحمن الرحيم " ما معناه؟
فقال عليه السلام: إن قولك: " الله " أعظم الأسماء (3) - من أسماء الله تعالى - وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يتسمى به غير الله، ولم يتسم به مخلوق.
فقال الرجل: فما تفسير قوله تعالى: " الله "؟
فقال عليه السلام: هو الذي يتأله إليه عند الحوائج (4) والشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه، وتقطع الأسباب من كل من سواه وذلك أن كل مترئس (5) في هذه الدنيا أو متعظم فيها، وإن عظم غناؤه وطغيانه و (6) كثرت حوائج من دونه إليه، فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم.
وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله عز وجل يقول:
" قل أرأيتكم أن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم
Shafi 27
صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون " (1) فقال الله تعالى لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلى في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت، فالي فافزعوا في كل أمر تأخذون به وترجون تمامه، وبلوغ غايته، فاني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم [فأنا أحق من سئل، وأولى من تضرع إليه] فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير:
" بسم الله الرحمن الرحيم " أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، [و] المجيب إذا دعي " الرحمن " الذي يرحم ببسط (2) الرزق علينا " الرحيم " بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا: خفف الله علينا الدين، وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه.
ثم قال رسول الله عليه السلام: من أحزنه أمر تعاطاه فقال: " بسم الله الرحمن الرحيم " وهو مخلص لله عز وجل ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته الدنياوية (3) وإما ما يعد له عنده، ويدخر (4) لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين. (5)
Shafi 28