{ وقلنا يئادم اسكن أنت وزوجك الجنة } لم يقل اسكنا لأنه المقصود بالذات ، وهى تبع له فى جميع الأحكام ، والأمور والأمر لهما أمر وجوب كما هو الظاهر ، وكما هو الأصل ، لا أمر إباحة ، وهى جنة بين قارس وكرمان ، أو فى عدن ، أو فلسطين ، والصحيح أنها دار السعداء ، وقيل جنة فى السماء أن يذكرالله D الرفع إليها ، وأن ذكره أولى ، وأيضا قال اهبطوا ، والأصل فى الهبوط النزول من عال . ولو يطلق على الخروج من موضع ودخوله ، حملته الملائكة من الدنيا ، أو من باب الجنة على القول بأنه خلق عند بابها من تراب من الأرض ، وأدخلوه الجنة ، وقال له الله جل وعلا ، اسكنها أنت وزوجك حواء ولا يمنع مانع من دخول إبليس مسارقة ، أو فى فم الحية ، كما كان يدخل السموات وليس تكليف آدم بالترك للمأكل من الشجرة ، ولغو إبليس وكذبهما عصيانا فيها كعصيانه أولا وكأكل آدم من الشجرة فلا ينافى ذلك قوله تعالى { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما } وأيضا هذه الآية لأهلها الداخلين فيها للجزاء الذى لا يشوبه شىء ، وقد قيل : وسوس إليهما من باب الجنة ، وبعد أن استقر فيها خلق الله زوجه حواء من ضلعه القصرى اليسرى ، وهو نائم ، ولم يحس ألما ، فيقال ، لو أحس الألم كان الرجل لا يعطف على المرأة ، وخلق الله فى موضع الضلع لحما ، وذلك النوم ألقاه الله عليه إذ لا تعب فيها ، أو من تعب فكر أو بدن فى أمر قضاه الله D لأنه دخلها غير جزاء له ، ومن دخلها غير جزاء له جاز له عليه فيها ما يجوز عليه فى غيرها ، مما شاء الله من نوم وتعب وحزن وخروج ، وإذا دخلها بعد ذلك جزاء لم يجز عليه ذلك ، وبسطت عدد الأضلاع واختلاف القول فيها فى وفاء الضمانة بأداء الأمانة ، ومنها ما قيل أضلاع اليسرى سبعة عشر واليمنى ثمانية عشر { وكلا منها رغدا } أكل رغد أو أكلا رغدا ، ونفس الرغد مبالغة وهو الوسع { حيث شئتما } من حيث شئتما من أشجارها ، وفى موضع من مواضعها مع سعتها فلا داعى لكما إلى تناول شجرة واحدة غير متعددة أنها كم عنها { ولا تقربا هذه الشجرة } الوحدة ، شجرة الحنطة ، أو العنب ، أو النخلة ، أو الحمص ، الأترجة ، أو التين ، أو الحنظل حلوة فيها ، أو الكافور ، وتطلق الشجرة ولو على ما ليس له ساق كقوله تعالى { شجرة من يقطين } أو غير ذلك ، والأصل ولا تأكلا من هذه الشجرة ، إلا أنه نهى عن القرب مبالغة ، وأيضا الأكل منها مسبب ، أو أراد حقيقة القرب لأن القرب إليهما يؤملهما فيها لاطلاعهما على شأنها مع وسوسة الشيطان { فتكونا } يقول ، لا تقربا فلا تكونا ، فهو مجزوم على العطف ، أو لا يكن منكما قرب هذه الشجرة ، فكونكما ، فهو منصوب فى جواب النفى { من الظلمين } المضرين لأنفسهم ، أو الواضعين الشىء فى غير موضعه ، أو الناقصين لحظهم وحظ الحق .
Shafi 46