31
{ وعلم آدم الأسماء } ألقاها فى قلبه مرة ، لا بتعليم ملك كما قيل { كلها } من جميع اللغات ، وهى الحروف ، والأفعال ، والأسماء ، وواضع اللغة الله؛ فالمراد بالأسماء الألفاظ الدوال ، على المعانى ، فشملت الحرف والفعل إقراء وتركيبا ، حقيقة ومجازا ، ودخلت أسماء الله كلها ، بل قيل ، أراد أيضا ما يدل بلا لفظ كالنصب ، والعقد ، والإشارة بالجارحة ، وحال الشىء ، والمراد الأنواع كالإنسان ، والفرس والجبل ، والنخلة ، لا الأفراد كزيد ، وشذقم ، وهيلة ، وكل أهل لغة من أولاده وأولاد أولاده حفظ لغة ، ونسى غيرها ، وكلها موجودة فى أهل سفينة نوح ، أو أوقد عليها فى ألواح ، ودفنت وأخرجت بعد الطوفان ، أو أوحتى ما اندرس منها إلى نوح أو هود ، وآدم بوزن أحمر من الأدمة ، بمعنى السمرة ، ولا بأس بها فى الجنة ، لأنه لم يدخلها جزاء ، أو سمر بعد الخروج ، وفسر بعضهم الأدمة بالبياض ، ومن الأدمة بفتح الهمزة والذال ، وهو الغدوة ، أو من أديم الأرض ، أى جلدها أى ظاهرها ، أو من الأدم ، أو الأدمة بمعنى الألفة ، وألفه عن همزة ، وقيل عجمى ، بوزن شالح وآزر ، فألفه أصل ، وذلك فى الجنة ، وخلق فى الدنيا ، ورفعته الملائكة إلى الجنة ، وعاش بعد خروجه منها ألف عام أو تسعمائة { ثم عرضهم } أى الأسماء بمعنى المسميات ، وذكر الأسماء مرادا بها الدوال ، ورد الضمير إليها مرادا به المدلول على الاستخدام ، وضمير الذكور العقلاء تغليب على الإناث وغير العقلاء { على الملئكة } القائلين أتجعل فيها { فقال أنبئونى بأسماء } بألفاظ { هؤلاء } الأنواع المعروضة ، أحضر كل نوع ، فقال ما اسم هذا ، جسما أو عرضا ، مثل أن يلهمهم فى قلوبهم الفرح ما اسمه ، والنفل ما اسمه ، كما يقول لهم ، ما اسم هذا مشيرا للحجر ، وقد عرفوا بعض الأسماء والأفعال والحروف بلغة من اللغات ، كما هو نص الآية ، وإنما خص آدم بجمعه ما لم يعلموا إلى ما علموا ، أو ذلك تعجيز لهم ، لاتكليف بما لا يطاق { إن كنتم صدقين } فى دعوى أنكم أحق بالخلافة ، والاقتصار عليكم عما يفسد ويفسك ، وأنكم أعلم ، وقد قالوا لن يخلق الله تعالى خلقا أعلم منا ولا أكرم ، وكأنه قيل ، فما قالوا ، فقال :
{ قالوا سبحنك } عن أن نكون فى قولنا أتجعل الآية معترضين { لا علم لنا } بتلك المسميات وغيرها { إلا ما } أى إلا علم ما { علمتنا } إياه ، أولا معلوم لنا إلا ما علمتناه ، هذا اعتراف بالعجز ، وشكر على إظهار الحكمة فى الخليفة لهم { إنك أنت العليم } بكل شىء { الحكيم } فى جميع ما فعل وما قال ، وما يقول ، وما يفعل ، لا يكون منه سفه ، أو لا يخرج الأمر عما أراد ، يقال أراد فلان إحكام شىء ، أى إتقانه فأتقنه ، أى لم يخرج عما أراد ، وقدم العلم على الحكمة لأن المقام له ولقوله وعلم ، وقوله لا علم ، ولأن الحكمة تنشأ عن علم وأثر له ، ولا حكمة بلا علم ، لأن العلم لا يكون إلا صفة ذات ، والحكمة تكون صفة ذات ، بمعنى أنه أهل لأن لا يكون منه إلا الصواب وإلا الإتقان ، وتكون فلا بمعنى إتقان الأمر والإتيان به صوابا .
Shafi 42