« ما السموات السبع والأرضون السبع مع الكرسى إلا كحلقة فى فلاة ، وفضل العرش على الكرسى ، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة » ، أى لو بسطت السموات والأرضون ووصل بعضها ببعض . وقوله A أيضا : « ما للسموات السبع فى الكرسى إلا كدارهم سبعة ألقيت فى ترس » ، وزعمت الفلاسفة الكفرة ، أن الكرسى فلق البروج ، وأبعد منه ما روى عن الحسن البصرى ، أو المعنى ، أحاط بهما علمه ، وهو قول ابن عباس ، ورجحه الطبرى ، أو كرسيه قدرته كما يقال ، اجعل لهذا الحائط كرسيا ، أى عمدة { ولا يوده } لا يعوجه ، حاشاه ، للثقل ، فإن ما ثقل يعود الحامل له إذا حمله ، فالمراد نفى الثقل { حفظهما } أى لا يعجزه حفظ القسمين ، أحدهما السموات ، والآخر الارض ، وكذا لا يثقله حفظ الكرسى والعرش ، ولكن خص السموات والارض لمشاهدتهما ، ولو بنجوم السموات الدرارى ، ولأن وجود الكرسى والعرش بمعنى الجسمين العظيمين من خبر الآحاد { وهو العلى } بالقهر { العظيم } شأنا ، ويقال : إنه حمل الكرسى أربعة أملاك ، لكل ملك أربعة أوجه ، وأقدامهم على الصخرة تحت الأرض السابعة ، يسألون الرزق من السنة إلى السنة ، ملك كآدم صورة يسأل لبنى آدم ، وملك كالثور يسأل للأنعام ، وملك كالنسر يسأل للطير ، وملك كالأسد يسأل للوحوش ، وأن بين حملته وحملة العرش سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور ، غلظ كل خمسمائة عامن لئلا تحترق حملته من نور حملة العرش ، وأنه A قال : « أعظم الآى آية الكرسى ، ومن قرأها كتب له ملك الحسنات ومحا السيئات إلى وقته من الغد ، وأنه من قرأها دبر كل صلاة فريضة دخل الجنة ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عباد ، ومن قرأها عند النوم آمنه الله » ، والأبيات حوله ، ومن قرأها وآيتين من أول حم تنزيل من سورة غافر صبحا أو مساء حفظ إلى الآخر وتهجر الشياطين ثلاثين ، والسحرة أربعين يوما دارا قرئت فيها ، وسيد الفرس سلمان ، والروم صهيب ، والحبشة بلال ، والجبال الطور ، والأيام الجمعة ، والكلام القرآن ، والقرآن البقرة ، والبقرة آية الكرسى ، ومن حق العاقل أن يختار الدين الحق بلا إكراه ، كما قال جلا وعلا : { لآ إكراه فى الدين } لا تكرهوا فى الدين ، وهو خبر بمعنى النهى ، أو ليس من دين الله أن تكرهوا على الدخول فيه كالحبس أو الضرب أو الإيجاع أو الإعراء حتى يسلم ، أو لا يكره الله أحدا على الدين ، بل جعل الأمر اختياريا ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وزعم بعض أن هذا إلى علم ، وبعض ، إلى خالدون ، ومن آية الكرسى { قد تبين الرشد } امتاز { من الغى } الضلال فليختر العاقل ما يدخله الجنة منهما بلا حاة إلى إكراه . تنصر ابنا أبى الحصين من بنى سالم بن عوف قبل البعثة فى جاهليتهما ، وقدما فى نفر من الأنصار يحملون الزيت فقال أبوهما : لا أدعكما حتى تسلما ، فاختصموا إلى رسول الله A فقال : يا رسول الله ، أيدخل بعضى النار وأنا أنظر ، فنزلت الآية ، فخلاهما ، وهذا قبل نزول القتال ، وإن كان بعده فقد عاهدوا أو أذعنا للجزية وليس القتال ، أو أخذ الجزية على الكفر إكراما فى الدين ، فلا نسخ فى الآية كما زعم من زعم ، ولا هى فى الكفار قبل نزول الجزية { فمن يكفر بالطغوت ويؤمن بالله } ورسوله ، قدم ذكره على ذكر الإيمان لذكر لفظ الغى قبله ، ولتقدم التخلية على التحلية ، استحقاق ، ولأنه لا يتصور الإيمان بالله إلا بعد الكفر بالطاغوت ، وهذا اللفظ للمبالغة من الطغيان ، وجمع بينهما ، لأن الكفر بالطاغوت لا يوجب الإيمان بالله ، لإمكان خلو الذهن وعكسه ، وإن أوجبه ، لكن جمعا للمبالغة ، وهو فلعوت من طغى يطغى ، أو طغا يطغو ، أصله طغيوت أو طغووت ، قدم اللام على العين ، وأصله مصدر عند الفارسى ، بمعنى الطغيان ، سمى به الشيطان أو الأصنام ، أو كل من عبد من دون الله ، أو صد عن عبادة الله ، أو الساحر ، أو الكاهن ، أو كل ذلك ، وهذا أولى ، وقيل التاء أصله ، والوزن فاعول ، وعلى كل هو مفرد يطلق على الواحد والجماعة { فقد استمسك } بالغ فى الإمساك ، بالسين والتاء ، أو هما للطلب ، لأن ما يحصل بالطلب يكون أكمل { بالعروة الوثقى } شبه دين الله والعمل به والوقوف معه بالعقدة القوية والتمسك بها ولزومها مطلقا ، أو تدليلا أو تصعدا ، أو سمى الدين عروة وثقى كتسمية الشجاع أسدا ، وفسر بعض العروة الوثقى بالدين ، وبعض بالإيمان ، وبعض بالقرآن ، وبعض بكلمة الإخلاص ، وبعض بالاعتقاد الحق ، أو السبب الموصل ، وبعض بالعهد ، والكلام استعارة تمثيلية ، أو العروة استعارة أصلية تصريحية مرشجة باستعارة تبعية هى استمسك { لا انفصام لها } لا انكسارها لها بلا قطع ، فضلا عن القطع وما بالقطع يكون بالقاف ، وذلك ترشيح لما قبله { والله سميع } عليم بالأقوال { عليم } بما يعتقد ويعمل ، وذلك تهديد على الشرك والنفاق .
Shafi 307