163
{ وإلهكم } معشر الخلق ، الأجسام والأعراض ، العقلاء وغيرهم ، الحيوان والجماد ، بتغليل العقلاء ، ويختص بهم ما يناسبهم بعد ويتجدد لهم معرفته أنه لغيرهم أيضا ، وقيل الخطاب للعقلاء ، وقيل لقريش القائلين : صف لنا ربك يا محمد ، ويلحق بهم غيرهم ، وزعم بعض أنه للكاتمين { إله وحد } أى أن الذى يستحق العبادة عنكم إله واحد ، فى ذاته ، لا يتجزأ فى صفاته وأقواله وأفعاله ، وفى أولوهيته ، وقيل : الوحدة هنا عدم التجزؤ ، والأولى أن المعنى لا نظير له ، فيدخل ما ذكر وعدم التجزؤ .
سألت اليهود وقريش رسول الله A أن يصف لهم ربهم فنزلت سورة الإخلاص ، وقوله تعالى { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } الجملة خبر ثان ، أو نعت ثان لاإله ، والنفى الآلهة الحقة ، أى لم يوجد إله بحق إلا الله ، أو الآلهة الباطلة ، أى ليست موجودة من حيث الألوهية ، ولو ادعاها عابدوها ، والرحمن الرحيم خبران لإلهكم ، وقيل الرحمن بدل من هو ، والرحيم نعت لرحمن ، وقيل بدلان من هو ، وقيل خبر لمحذوف .
وروى أنه كان حول الكعبة ثلثمائة وستين صنما ، ولما نزل « وإلهكم إله وحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم » قالوا متعجبين : إيت بآية على ذلك ، فنزل « إن فى خلق السموات . . . » الخ ، وهم غير القائلين لا شريك لك ، إلا إلها تملكه ، وما ملكت هو الخالق ، وما سواه منعم عليه ، ونعمه مشكورة أو مكفورة بالعصيان والشرك ، وطلبوا آية على ذلك فنزل قوله تعالى :
{ إن فى خلق } إيجاد { السموات } السبع ، من حيث ارتفاعها بلا عمد ولا علاقة ونيرانها { والأرض } أى جنسها ، فصدق بسبع فى قوله تعالى : { ومن الأرض مثلهن } ، وفى قوله A : « من اقتطع قيد شبر من أرض جاره طوقه من سبع أرضين » ، وقوله A : « اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، من حيث مدها ، وكونها على الماء ، ومن حيث شجرها ، وجبالها ، وبحارها ، ومعادنها ، وجواهرها ، وعيونها ، وثمارها ، وحيواناتها » ، وأفردها لأنها متفقة بالحقيقة : وهى التراب بخلاف السموات .
فالأولى : من زبد الماء متجمدا . والثانية : من رخام أبيض . والثالثة : من حديد . والرابعة : من نحاس . والخامسة : من فضة . والسادسة : من ذهب . والسابعة : من ياقوت أحمر . وقيل : الأولى : زبد جامد . والثانية : من نحاس . والثالثة : من فضة . والرابعة : من ذهب . والخامسة : من ياقوت . والسادسة : من زمرد والسابعة : من نور العرش وبين كل سماء وأخرى ، وأرض وأخرى ، والأرض والسماء خمسمائة عام كغلظ كل { واختلف اليل والنهار } من الافتعال ، بمعنى التفاعل يتخالفان طولا وقصرا إلا وقت الاعتدال ، وزيادة ونقصا ، وذهابا ومجيئا ، وظلمة ونورا ، وسكونا للجوارح والإبصار ، وراحة وانتشارا لها ، واختلافا للأوقات ، فكل ساعة مغرب فى موضع ، وعشاء فى آخر ، وثلث ليل فى آخر ونصفه فى آخر ، وسدس فى آخر ، وسحر فى آخر ، وتوسط فى آخر ، وزوال فى آخر ، ووسط الوقتين فى آخر ، وعصر فى آخر ، واصفرار فى آخر ، وغروب فى آخر ، وما بين ذلك كله أيضا متخالف ، ولا تزول ولو لحظة ، تغرب عن موضع ، وتطلع فى آخر من خلفها وقدامها ، وأينما كانت الشمس عند غروبها فى موضع ، وطلوعها فى آخر يكون وراءها مثل الفجر الكاذب ، شفقا أبيض ، وقدامها مثله ، وكل بلذ يكون عرضة للشمال أكثر من طوله ، يكون أيام صيفه أقصر من أيام شتائه ، والظلمة سابقة على الضوء فقدم الليل لذلك ، فالنهار لليلة قبله ، وهو الصحيح ، وقيل بالعكس ، واستثنى بعضهم يوم عرفة على الأول ، وجعله لليلة بعده ، ولا يصح ذلك ، وإنما نتبع الحكم الشرعى ، وليس رجوعا لتقدم اليوم والليلة { والفلك } جماعة بدليل قوله : { التى تجرى فى البحر } فدل على الجماعة بضم الفاء وإسكان اللام مع الحروف ، بخلاف الفلك المفرد فإنه لا دلالة لضمه وسكونه على معنى أو سكنت اللام عن ضم الجميع تخفيفا ، والمعنى أن فى خلق السموات والأرض الخ ، وفى الفلك ، فالعطف على خلق ، أو أن فى خلق السموات الخ وفى خلق الفلك ، فالعطف على السموات ، وقد يجوز عطفه على الليل ، أى واختلاف الفلك ذهابا ورجوعا ، وعلى حال إن فى ذاتها وإيجادها من حيث إنها لا تنزل إلى أسفل الماء مجردة أو محمولا فيها ما خف أو ما ثقل ، وجريانها على وجه الماء بالريح مقبلة ومدبرة مع قوة الماء وهيجانه { بما } أى بالذى { ينفع الناس } من التجارة وسائر ما يحمل فيها ، قيل برد الضمير لما على أنها موصولة اسمية ، أو بنفعه الناس على أن ما مصدرية برد الضمير للجرى أو للبحر ، والرد للجرى أولى لأن النفع بالجرى بالذات ، بخلاف البحر فبواسطة الجرى ، ولو كان الجرى بواسطة البحر ، وقيل يجوز تذكير الفلك وتأنيثه ، مجردا أو جماعة ، فيجوز رد الضمير للفلك ، وقد قيل إنه مفرد أنث بتأويل السفينة أولا ، وذكر ثانيا على أصله ، وفى البحر أيضا عجائب ، حيتان ، ولؤلؤ ، ومرجان ، وياقوت ، والسفينة آلة الخوض فيها والاطلاع على ذلك ، ولكن لا تحمل الآية على لإشارة لذلك لما فيه من التكلف ، ولو كانت الفلك سببا .
Shafi 186