150
{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام } الشطر فى الأصل ما انفصل عن الشىء ، إما حسا ، كدار شطور أى منفصلة عن الدور ، أو معنى ، كقولنا الإقرار شطر التوحيد ، واستعماله فى الجزء شائع ، واستعمل لجانب الشىء ولو لم ينفصل ، وبمعنى الجهة فى الآية { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } والعطفان على لكل وجهة ، أو على قد نرى تقلب وجهك فى السماء ، ذكر ذلك ثلاث مرات ، كل لعلة غير علة الأخرى ، ذكره المرة الأولى ليريه أنه قد أجاب له فيما يشتاق إليه ورحم تضرعه ، وأنه أهل لأن يجاب لعظم شأنه عند الله D ، كما قال الله D { قد ترى تقلب وجهك } وذكره المرة الثانية ليبين أنه جعل لكل أمة قبلة تمتاز بها ، إذ قال { ولكل وجهة } أى لكل أمة ، وذكره المرة الثالثة ليدفع حجة اليهود ، إذ يجتمعون بأنه لو كان النبى الموعود به لتحول إلى الكعبة كما فى التوراة ، وأنه لو كان لم يتبع قبلنا مع أنه ينكر ديننا ، ولدفع حجة مشركى العرب ، إذ يتحتجون بأنه لو كان نبيا لم يخالف قبلة إبراهيم مع أنه يدعيها ، كما قال بعد قوله { لئلا يكون للناس } اليهود ومشركى العرب { عليكم حجة } ولأتم نعمتى ، أن عطف على لئلا . . . الخ ، وأما قوله D { وما جعلنا القبلة التى كنت عليها } أى الكعبة التى كنت عليها ، فبان أن الجعل معلل بالعلمن لا بقيد كونه تعظيما للرسول A ولا بغيره ، وناسب التكرار أن الكعبة لها شأن ، والنسخ من مظان الطعن ، والمخالفة فى النسخ بدعوى إلزام البداء ، وهو غير جائز ، وهى مخالفة باطلة ، لأن النسخ إزالة حكم قضى فى الأزل أنه يزال ، لا ظهور لما خفى ، تعالى الله ، وقيل : الأولى على أن الإنسان فى المسجد الحرام ، والثانية على أن يخرج من المسجد الحرام ويكون فى البلد ، والثالثة على أن يخرج عن البلد إلى أقطار الأرض ، وفيه أن الخطاب أولا لرسول الله A وهو فى المدينة ، فكيف تكون الأولى لمن فى المسجد الحرام { إلا الذين ظلموا } بالعناد { منهم } من الناس المعهودين ، أى إلا المعاندين من اليهود ، إذ قالوا : تحول للكعبة ميلا لدين قومه وحبا لبلده ، ومشركى العرب إذ قالوا : رجع لقبلة آبائه ، ويوشك أن يرجع إلى دينهم ، وأنه فى حيرة من أمر القبلة ، ومن لم يعاند قال : يدعى ملة إبراهيم ويوافق قبلته ، والحجة ما يستدل به صحيحا فى نفسه أو فى زعم المستدل ، ولا حجة صحيحة لمن خالف كلام الله ، لكن تسمى حجة ، كأنها صحيحة ، لشبهها بها فى إحضارها لإثبات المقصود ، أو المراد التحاج أى الخصام ، أو الاستثناء منقطع ، أى لكن الذين ظلموا ، من تأكيد الشىء بضده ، أى إن كانت لكم حجة هى فهى الظلم ، والظلم لا يكون حجة ، فحجتهم غير ممكنة ، كقوله :
Shafi 171