87

Tafsir Sadr al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Nau'ikan

[الشمس:7 - 8]. وهذا محض العدل وحسن الترتيب في النظام.

ولهذا الأمر، يوجد لك في الشاهد مثال، فالملك إذا كان له عبدان، ويريد أن يسقيه أحدهما، ويكنس الآخر فناء منزلة من القاذورات، لا يفوض سقي الشراب الطيب إلا إلى أحسنهما وأطيبهما منظرا وأحبهما إليه، ولا يعين للكنس إلا أقبحهما صورة وأخسهما، ولا ينبغي لك أن تقول: هذا فعلي، فلم يكن فعله على مذاق فعلي، فإنك أخطأت إذا أضفت ذلك الى نفسك، بل هو الذي صرفك وداعيتك لتخصيص الفعل المكروه بالشخص المكروه، والفعل الحسن بالشخص المحبوب، إتماما للعدل، فإن عدله تارة يتم بما لا مدخل لك فيه وتارة يتم فيك أو بمالك فيه مدخل فإنك ايضا من أفعاله.

فداعيتك وعلمك وقدرتك وسائر أسباب حركتك في التعيين هو فعله الذي رتبه بالعدل والحكمة ترتيبا تصدر منه الأفعال المعتدلة، إلا انك لا ترى إلا نفسك، فتظن إن ما يظهر عليك في عالم الشهادة ليس له سبب من عالم الغيب والملكوت، فلذلك تضيفه الى نفسك.

وإنما أنت مثل الصبي الذي ينظر ليلا الى لعب المشعبذ الذي يخرج صورا من وراء حجاب، يرقص ويزعق ويقوم ويقعد، فيتعجب لظنه أن هذه الأفعال إنما تصدر من تلك الصور. ولم يعلم أنها لا تتحرك بأنفسها، وإنما تحركها خيوط شعرية دقيقة لا تظهر في ظلام الليل، ورؤوسها في يد المشعبذ، وهو محتجب عن الصبيان فيفرحون ويتعجبون.

وأما العقلاء، فإنهم يعلمون أن ذلك يحرك وليس يتحرك، ولكنهم ربما لم يعلموا تفصيله، والذي يعلم بعض تفصيله لا يعلمه كما يعلم المشعبذ الذي يعود الأمر إليه، والجاذبة بيديه، فكذلك صبيان الدنيا والخلق كلهم صبيان، إلا العلماء، إلا إنهم لا يعرفون كيفية التحريك، وهم الأكثرون، إلا الراسخون في العلم، فإنهم أدركوا بحدة أبصارهم خيوطا ورباطات دقيقة معلقة من السماء، متشبثة الأطراف بأشخاص أهل الأرض، لا تدرك تلك الخيوط لدقتها بهذه الأنظار الظاهرة، ثم شاهدوا رؤوس تلك الخيوط في مناطات لها هي معلقة منها، ولها أيضا مقابض وعرى هي في أيدي الملائكة المحركين للسماوات، وشاهدوا أبصار ملائكة السموات مصروفة إلى حملة العرش ينتظرون منهم ما ينزل إليهم من الأمر من حضرة الربوبية، كي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون [ما يؤمرون].

وعبر عن هذه المكاشفات في القرآن:

وفي السمآء رزقكم وما توعدون

[الذاريات:22]. وعبر عن انتظار الملائكة لما ينزل إليهم من الأمر والقدرة بقوله تعالى:

خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما

[الطلاق:12].

Shafi da ba'a sani ba