85

Tafsir Sadr al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Nau'ikan

وقيل: إنه كلمح بالبصر، ففاضت بحار المقادير بحكم ذلك القضاء المبرم بما سبق به التقدير، فاستعير لترتب آحاد المقدورات بعضها على بعض، لفظ " القدر " ، فكان لفظ القضاء بإزاء ذلك الأمر العقلي الكلي، ولفظ القدر بإزاء ذلك الأمر التفصيلي القدري المتمادي إلى غير النهاية.

وقيل: ليس شيء من ذلك بخارج عن قانون القضاء والقدر، فخطر لبعض العباد أن القسمة لماذا اقتضت هذا التفصيل؟ وكيف انتظم العدل مع هذا التفاوت في الايجاد والتكميل؟

وكأن بعضهم لقصورهم لم يطيقوا ملاحظة كنه الأمر والإحتواء على مجامعه، فألجموا عما لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع، وقيل لهم: اسكتوا، فما لهذا خلقتم " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " ، عليكم بدين العجائز والزمنى عن سلوك عالم السماء، وقصارى إيمانكم أن تؤمنوا بالغيب ايمان الأكمه بالألوان، اسكتوا، وأنى للعميان والسؤال عن حقائق الألوان.

وأما من امتلأت مشكاة عقلهم المنفعل من نور الله النافذ في السموات والأرض، وكان زيتهم أولا صافيا يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، فمسته نار العقل الفعال فاشتعل نورا على نور، فأشرقت أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربها فأدركوا الأمور كما هي عليه، فقيل لهم: تأدبوا بأدب الله، واسكتوا، واذا ذكر القدر فأمسكوا فإن للحيطان آذان، وحواليكم ضعفاء الأبصار فسيروا بسير أضعفكم، ولا تكشفوا حجاب الشمس لأبصار الخفافيش، فيكون ذلك سبب هلاكهم، فتخلقوا بأخلاق الله، وانزلوا إلى السماء الدنيا من منتهى علوكم ليأنس بكم الضعفاء، ويقتبسوا من بقايا أنواركم المشرقة من وراء حجابكم، كما يقتبس الخفاش من بقاء نور الشمس والكواكب في جنح الليل، فيحيى به حياة تحتملها شخصه وحاله لا حياة المترددين في كمال نور الشمس، وكونوا كما قيل:

شربنا وأهرقنا على الأرض فضلة

وللأرض من كأس الكرام نصيب

تمثيل نوري

[بيان أن لا مؤثر في الوجود إلا الله، والحكمة في أفعاله]

وقد ضرب الله مثلا لهذا المرام تقريبا إلى أفهام الأنام، وقد عرف أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون، وكانت عبادتهم ومعرفتهم غاية الحكمة في حقهم، فأخبر ان له عبدين يحب أحدهما واسمه جبرائيل وروح القدس والروح الأمين، وهو عنده محبوب مطاع مكين، ويبغض الآخر واسمه إبليس، وهو اللعين المنظر إلى يوم الدين.

ثم أحال الإرشاد والتعليم إلى جبرائيل فقال:

Shafi da ba'a sani ba